النّصارى كانوا إذا ولد لهم ولد وأتى عليه سبعة أيّام صبغوه ؛ أي غمسوه في ماء لهم يقال له : المعمودي ليطهّروه بذلك ، وقالوا : هذا طهوره ومكان الختان (١). فقيل لهم : (صِبْغَةَ اللهِ) أي التطهر الذي أمر الله به أبلغ في النظافة.
وأول من اختتن إبراهيم عليهالسلام بالقدّوم ؛ وهي موضع ممرّه بالشام ؛ وكان يومئذ ابن مائة وعشرين سنة ، ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة.
ونصب (صِبْغَةَ اللهِ) على الإغراء ؛ أي الزموا صبغة الله ، أو اتّبعوا. وقال الأخفش : (هو بدل من قوله تعالى : (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ.) وقال ابن كيسان : (صِبْغَةَ اللهِ) أي وجهة الله ؛ بمعنى القبلة). وقال الزجّاج : (معناه : خلقة الله ، من صبغت الثّوب إذا غيّرت لونه وخلقته ، فيكون المعنى أنّ الله تعالى ابتدأ الخلقة على الإسلام) (٢) دليله قول مقاتل في هذه الآية : (فِطْرَتَ اللهِ)(٣) أي دين الله. ويوضّحه قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [كلّ مولود يولد على الفطرة ، إلّا أنّ أبواه يهوّدانه ويمجّسانه وينصّرانه ، كما تنتجون البهيمة ، فهل تجدون من جدعاء حتّى تكونوا أنتم تجدعونها؟] قالوا : يا رسول الله أرأيت من يموت وهو صغير؟ قال : [الله أعلم بما كانوا عاملين](٤). وقال أبو عبيدة : (معناه : سنّة الله). قوله تعالى : (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) (١٣٨) ؛ أي مطيعون.
وقوله تعالى : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا ،) وذلك أنّ اليهود كانوا يقولون : نحن أهل الكتاب الأوّل والعلم القديم. وكانوا يقولون هم والنصارى : نحن أبناء الله وأحبّاؤه. فأمر الله تعالى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بهذه الآية أن (قُلْ) لهم يا محمّد : (أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) ؛ أي أتجادلوننا وتخاصموننا. وقرأ الأعمش والحسن : (أتحاجّونّا) بنون واحدة مشدّدة. وقوله تعالى : (فِي اللهِ) أي في دين الله. وذلك أنّهم قالوا : إنّ الأنبياء كانوا منّا وعلى ديننا ولم يكونوا من العرب ؛ فلو كنت نبيّا لكنت منّا على ديننا.
__________________
(١) جامع البيان : ج ١ ص ٢٩٢.
(٢) قاله في معاني القرآن وإعرابه : ج ١ ص ١٨٩.
(٣) الروم / ٣٠.
(٤) رواه البخاري في الصحيح : كتاب القدر : الحديث (٦٥٩٩ و ٦٦٠٠). ومسلم في الصحيح : كتاب القدر : باب معنى كل مولود : الحديث (٢٤ / ٢٦٥٨).