قوله تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) ؛ أي لا تتّكلوا أيها اليهود على أبائكم وأسلافكم اعتمادا منكم على شفاعتهم عنكم فإنّهم جماعة قد مضت. قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) ؛ أي لها جزاء ما عملت من خير أو شرّ ولكم جزاء ما عملتم. وقوله تعالى : (وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٣٤) ؛ أي إنّما تسألون عن أعمالكم.
قوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) ؛ قال ابن عبّاس : (نزلت في رؤوس يهود المدينة كعب بن الأشرف ومالك بن الضّيف ووهب بن يهودا وأبي ياسر ، وفي نصارى نجران السّيّد والعاقب وأصحابهما ، خاصموا المسلمين في الدّين ، فقالت اليهود : نبيّنا موسى أفضل الأنبياء ؛ وكتابنا التّوراة أفضل الكتب ؛ وديننا أفضل الأديان ؛ وكفرت بعيسى والإنجيل ومحمّد والقرآن. وقالت النّصارى : نبيّنا عيسى أفضل الأنبياء ؛ وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب ؛ وديننا أفضل الأديان ؛ وكفرت بمحمّد والقرآن. وقال كلّ واحد من الفريقين للمسلمين : كونوا على ديننا ؛ فلا دين إلّا ذلك ؛ دعوهم إلى دينهم) (١). فقال الله تعالى : (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ؛)(٢) أي مسلما مخلصا مائلا عن كلّ دين سوى الإسلام ، (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٣٥) ؛ يعني إبراهيم عليهالسلام.
والحنف : مثل أصابع القدمين. سمي إبراهيم حنيفا ؛ لأنه حنف عمّا كان يعبد آباؤه ؛ أي عدل. وقيل : الحنف : الاستقامة ، وإنّما سمي الرجل الأعرج أحنفا تأوّلا (٣) ؛ كما يقال للأعمى بصيرا.
والفائدة في ذكر ملّة إبراهيم (كونه) لا شكّ أنه حقّ عندنا وعند اليهود والنصارى ، ولم يختلف الناس في أن ملّته الإسلام والتوحيد. قال ابن عباس : (الحنيف : هو المائل عن الأديان كلّها إلّا دين الإسلام). وقال مقاتل : (الحنيف :
__________________
(١) ذكره مختصرا ابن هشام في السيرة : ما نزل من البقرة في المنافقين ويهود : ج ٢ ص ١٩٨.
(٢) في المخطوط : أدرج (مسلما) إلى النص القرآني.
(٣) في المخطوط : (تعاولا) وهو تصحيف.