ويجوز أن يكون معنى الإسلام : تسليم الأمور إلى الله تعالى والانقياد له من غير امتناع وعصيان. وقال الكلبيّ : (معناه : أخلص دينك لله بالتّوحيد). وقال عطاء : (سلّم نفسك إلى الله وفوّض أمرك إليه). وقيل : اخضع واخشع.
قوله تعالى : (قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١٣١) ؛ ظاهر المعنى.
قوله تعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ) ؛ قرأ أهل المدينة وأهل الشّام : (وأوصى) بالألف. وقرأ الباقون بالتشديد. وهما لغتان ؛ يقال : أوصيته ووصيّته ؛ إذا أمرته مثل إنزل ونزّل. وقوله تعالى : (بِها) يعني بكلمة الإخلاص : لا إله إلّا الله. وقال أبو عبيدة : (إن شئت رددت الكناية إلى الملّة ؛ لأنّه ذكر ملّة إبراهيم ؛ وإن شئت رددتها إلى الوصيّة). وقال المفضّل : (بالطّاعة كناية عن غير مذكور). وكناية الملّة هنا أصحّ ؛ لأن ردّها إلى المذكور أولى من ردّها إلى المدلول ، وكلمة الإخلاص مدلول عليها في ضمن قوله تعالى : (قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ).
وبنو إبراهيم أربعة : إسماعيل ؛ وإسحق ؛ ومدين ؛ ومدائن. قوله تعالى : (وَيَعْقُوبُ) قيل : سمي بيعقوب ؛ لأنه خرج على إثر العيص ؛ وقد مضت قصتهما. وقيل : سمي بيعقوب لكثرة عقبه ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [بعثت على إثر ثمانية آلاف نبيّ : أربعة آلاف من بني إسرائيل](١). ومعنى الآية : وصّى بها أيضا يعقوب بنيه الاثني عشر. وحكي عن مجاهد أنه حكى عن بعضهم : (وَيَعْقُوبُ) بالنصب عطفاعلى بنيه داخلا في جملتها الموصّيين.
قوله تعالى : (يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) ؛ أي الإسلام ، (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٣٢) ؛ أي مؤمنون. وقيل : مخلصون. وقيل : محسنون بربكم الظنّ. وقيل : مفوّضون.
روي أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال اليهود للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم : ألست تعلم أنّ يعقوب يوم مات أوصى بنيه بدين اليهوديّة؟ فأنزل الله تعالى قوله : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ
__________________
(١) أخرجه أبو نعيم في حيلة الأولياء وطبقات الأصفياء : ج ٣ ص ١٦٢ ؛ وقال : «غريب من حديث زياد ، تفرد به زكريا».