يقال : رغبت في الشيء ؛ إذا أردته ، ورغبت عنه ؛ إذا تركته. والرغبة في اللغة : محبّة ما للنّفس فيه منفعة. ولهذا لا يجوز في صفات الله : راغب.
قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) أي خسر وهلك. وقال الكلبيّ : (ضلّ من قبل نفسه). وقال بعض أهل اللغة : سفه بمعنى يسفه ، وقيل : (سَفِهَ نَفْسَهُ) أي جهل نفسه بمعنى لم يتفكّر في نفسه أنّ لها خالقا. وقيل : سفه في نفسه ؛ إلا أنه حذف الخافض فنصب ، مثل قوله تعالى : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ)(١) أي على عقدة النكاح. ويقال : ضربته الظهر والبطن ؛ أي على الظهر والبطن. وأصل السّفه والسّفاهة : الجهل وضعف الرّأي.
قوله تعالى : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) ؛ أي للرسالة. وأصل الطّاء فيه التاء ، جعلت طاء لقرب مخرجها ولتطوّع اللّسان به. قوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (١٣٠) ؛ أي الفائزين. قاله الزجّاج (٢). وقيل : المستوجبين للكرامة. وقيل : في الآية تقديم وتأخير ، تقديره : ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنّه لمن الصالحين ، نظيره في سورة النحل : (وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)(٣).
قوله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ) ؛ أي استقم على الإسلام واثبت عليه ؛ لأنه كان مسلما كقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ)(٤) أي اثبت على علمك. وقال ابن عبّاس : (إنّما قال ذلك حين خرج من السّرب (٥) ورأى الكوكب والقمر والشّمس ، فألهمه الله الإخلاص فاستدلّ وعرف وحدانيّة الله فأسلم حينئذ ، وقال : (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(٦)) وليس أنه كان حين أفلت الشمس كافرا ؛ لأنّ الله تعالى لا ينبئ من كان كافرا قطّ.
__________________
(١) البقرة / ٢٣٥.
(٢) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ١ ص ١٨٥.
(٣) الآية / ١٢٢.
(٤) محمد / ١٩.
(٥) السّرب بالتحريك : الحفير ، وبيت تحت الأرض. القرطبي : ج ٢ ص ١٣٤.
(٦) الأنعام / ٧٨ ـ ٧٩.