ليأتي بحجر فصاح أبو قبيس : يا إبراهيم إن لك عندي وديعة فخذها ، فأخذ الحجر الأسود ووضعه مكانه.
وقيل : إنّ الله تعالى أمدّ إبراهيم وإسماعيل بتسعة أملاك يعينوهما على بناء البيت ، فلما فرغا من بنائه جثيا على الرّكب وقالا : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١٢٧). فقيل : قد فعل لكما ، فقالا : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) ؛ فقيل : قد فعل لكما ذلك ، فقالا : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) ؛ أي موحّدين مخلصين.
والقواعد هي أساس الكعبة ؛ كذا قال الكلبيّ. وقوله تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي بنيّاتنا. وقوله تعالى : (وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) قرأ عوف : (مسلمين) على الجمع. وقوله تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) أي واجعل من ذرّيتنا أمة مخلصة لك بالتوحيد والطاعة. (وَأَرِنا مَناسِكَنا) ؛ أي عرّفنا متعبّداتنا وشرائع ديننا وأعلام حجّنا. وأصل النّسك العبادة ، ويقال للعابد : ناسك.
وقرأ ابن مسعود : (وأرهم مناسكهم) ردّه إلى الأمّة. وقرأ قتادة وابن كثير بسكون الراء في جميع القرآن. وقرأ أبو عمرو باختلاس كسرة الراء. وقرأ الباقون بكسر الراء.
فأجاب الله دعاءهما ؛ فبعث الله جبريل عليهالسلام فأراهما المناسك في يوم عرفة ، فلما بلغ عرفات قال : يا إبراهيم عرفت؟ (١). قال : نعم ؛ فسمّي الوقت عرفة ، والموضع عرفات.
قوله تعالى : (وَتُبْ عَلَيْنا) ؛ أي وتجاوز عن ذنوبنا الصغائر ؛ لأن ذنوب الأنبياء لا تكون إلّا الصغائر (٢). وقوله تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١٢٨) ؛ أي المتجاوز الرجّاع بالرحمة على عباده.
__________________
(١) في هامش المخطوط : وصل في سرعة وأن آدم عليهالسلام تعارف مع حواء بعرفة فلذلك سميت عرفة.
(٢) ويجوز طلب التجاوز عن مطلق الذنوب كبائر أو صغائر ، ولو كانت الأنبياء عليهمالسلام معصومين عنها يطلق التجاوز كسرا للنفس لاستغفار النبي مع عصمته من الذنوب.