قيل لمجاهد : يا أبا الحجّاج ؛ ألا كان يركب؟ قال : وأيّ شيء يحمله! فو الله إن خطوته مسيرة ثلاثة أيام ، وكلّ موضع وضع عليه قدمه صار عمرانا ، وما تعدّاه صار مفاوزا وقفارا. فأتى مكة وحجّ البيت وأقام المناسك ؛ فلما فرغ تلقّته الملائكة فقالوا : برّ حجّك يا آدم ، فلقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام.
قال ابن عباس : (حجّ آدم أربعين سنة من الهند إلى مكّة على رجليه ؛ فكانت الكعبة كذلك إلى أيّام الطّوفان ، فرفعها الله إلى السّماء الرّابعة ، فهو البيت المعمور يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ثمّ لا يعودون إليه إلى يوم القيامة. وبعث الله جبريل حتّى جاء الحجر الأسود في جبل أبي قبيس صيانة له عن الغرق ، فكان موضع البيت خاليا إلى زمن إبراهيم عليهالسلام ، ثمّ أمر الله إبراهيم بعدما ولد إسماعيل وإسحق عليهماالسلام أن يبني بيتا له يعبد ويذكر فيه ، فلم يدر إبراهيم أين يبني؟ فسأل الله أن يبيّن له موضعه ، فبعث الله إليه السّكينة لتدلّه على موضع البيت ؛ وهي ريح مجوج لها رأسان تشبه الحيّة ، فتبعها إبراهيم حتّى أتيا مكّة ، فجعلت السّكينة تطوف على موضع البيت كما تطوف الحيّة. وأمر إبراهيم أن يبني عليه لتستقرّ السّكينة. فبناه) وهذا قول عليّ كرمّ الله وجهه.
قال ابن عباس رضي الله عنه : (بعث الله سحابة على قدر الكعبة فجعلت تسير وإبراهيم يسير في ظلّها إلى أن وافت مكّة ووقفت على موضع البيت ، ونودي : يا إبراهيم إبن على ظلّها لا تزيد ولا تنقص ، فبنى بخيالها). وقال بعضهم : أرسل الله جبريل ليدلّه على موضع البيت وذلك قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ)(١). فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت ؛ كان إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجارة والملائكة ينقلون الحجارة من خمسة أجبل : طور سيناء ؛ وطور زيناء ؛ والجوديّ ؛ ولبنان ؛ وحراء. قيل : إنّ قواعده من حراء.
فلما انتهى إبراهيم إلى موضع الحجر الأسود قال لإسماعيل : ائتني بحجر حسن يكون للناس علما ؛ فأتاه بحجر ؛ فقال : ائتني بحجر أحسن من هذا ؛ فمضى إسماعيل
__________________
(١) الحج / ٢٦.