المدينة كما حرّم إبراهيم مكّة](١). والأصحّ : أنّها كانت حرما آمنا قبل دعائه بدليل قوله عليه الصّلاة والسّلام : [إنّ الله حرّم مكّة يوم خلق السّموات والأرض ووضعها بين أخشبين](٢) أي جبلين ؛ فعلى هذا كانت أمنا قبل دعائه من الخسف والاصطلام لأهله.
وكان الله قد جعل في قلوب الناس هيبة ذلك المكان حتى كانوا لا ينتهكون حرمة من كان فيه بمال ولا بنفس ، ثم بدعاء إبراهيم صارت حرما آمنا بأن أمر الله الناس بتعظيمه على ألسنة الرّسل. والواو في قوله (وَمَنْ كَفَرَ) دليل على إجابة الله دعوة إبراهيم خاصة.
قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) ؛ قيل : إنّ الله تعالى خلق موضع البيت قبل أن يخلق الأرض بألفي عام ، وكان ربوة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحتها ، فلّما أهبط الله آدم إلى الأرض كان رأسه يلمس السماء حتى صلع ، وأورث أولاده الصلع. ونفرت من طوله دوابّ الأرض ، وكان يسمع كلام أهل السماء وتسبيحهم ، ويأنس إليهم. فاشتكت نفسه فقبضه الله إلى ستين ذراعا بذراع آدم. فلما فقد آدم ما كان يسمع من أصوات الملائكة وتسبيحهم استوحش وشكى إلى الله ، فأنزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة لها بابان من زمرّدة خضراء ؛ باب شرقي وباب غربيّ ، وفيه قناديل من الجنة ، فوضعه على موضع البيت الآن. ثم قال : يا آدم إنّي أهبطت لك بيتا يطّوّف به كما يطاف حول عرشي ، ويصلّى عنده كما يصلّى عند عرشي. وأنزل عليه الحجر ليمسح به دموعه وكان أبيض. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إنّ الحجر ياقوتة من ياقوت الجنّة ، ولو لا ما مسّه المشركون بأنجاسهم ما مسّه ذو عاهة إلّا شفاه الله تعالى](٣). فتوجّه آدم من أرض الهند إلى مكّة ماشيا ، وقيّض له ملك يدلّه على البيت.
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح : كتاب الحج : باب فضل المدينة : الحديث (٤٥٤ / ١٣٦٠).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٦٦٨).
(٣) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان : باب في المناسك : فضيلة الحجر الأسود : النص (٤٠٣٠ و ٤٠٣٣) في إسناد أيوب بن سويد ، وهو لين الحديث ، فهو حسن لغيره.