قوله تعالى : (لِلطَّائِفِينَ) ؛ وهم الغرباء ؛ وقوله تعالى : (وَالْعاكِفِينَ) ؛ أي المقيمين والمجاورين ؛ وقوله تعالى : (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (١٢٥) ؛ يعني المصلّين. وقيل : أراد بذلك جميع المسلمين. وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إنّ لله في كلّ يوم وليلة عشرين ومائة رحمة ينزل على أهل البيت ستّون للطّائفين وأربعون للمصلّين ، وعشرون للنّاظرين](١).
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) ؛ يعني مكّة والحرم آمنا من الجدب والقحط ، وقيل : من الحرب. قوله تعالى : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ؛ لا يكون إلا ويوجد فيه أنواع الثمرات ، فأحبّ إبراهيم أن لا يأكل طعام الله إلا الموحّدون ؛ فأعلمه الله أن لا يخلق خلقا إلا يرزقه ، فذلك قوله تعالى : (قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) ؛ أي سأرزقه في الدنيا يسيرا. قيل : خشي إبراهيم أن لا يستجاب له في الرزق كما لم يستجب له في الإمامة ؛ فخصّ المؤمنين في المسألة في الرزق ، فأعلمه الله أنّ المؤمن والكافر في الرزق سواء.
قوله تعالى : (مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) في موضع نصب بدل من (أَهْلَهُ) بدل بعض من كلّ كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(٢). وقوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) أي فسأرزقه إلى منتهى أجله. قرأ ابن عامر : (فأمتعه) بفتح الألف وجزم العين ، (ثمّ أضطرّه) موصولة الألف مفتوحة الراء على جهة الدّعاء من إبراهيم عليهالسلام ، وقرأ الباقون بالتشديد. وقوله تعالى : (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ) ؛ أي ألجئه إلى عذاب النار في الآخرة ، (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ؛ (١٢٦) أي بئس المرجع يصير إليه.
واختلفوا في مكّة : هل كانت حرما آمنا قبل دعاء إبراهيم ؛ أم صارت كذلك بدعائه؟ قيل : إنّما صارت كذلك بدعائه ، بدليل أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : [إنّي حرّمت
__________________
(١) أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان : ج ١ ص ١٥١ : النص (١١٦) عن ابن عباس.
(٢) آل عمران / ٩٧.