قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) ، تقدّم تفسيره ، وفائدة تكرار القصص والألفاظ : أنّ الله تعالى أراد برحمته أن يشهر القصص في أطراف الأرض ؛ ويلقيها في كلّ سمع ؛ ويثبتها في كلّ قلب ؛ ويزيد الحاضرين إفهاما ، فإنّ القرآن نزل بلسانهم ، ومن مذهبهم أنّ التكرار إرادة التوكيد وزيادة الإفهام. (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (١٢٣).
قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) ؛ أي اختبره بما بعده من السّنن ؛ وهي عشر خصال : خمس في الرأس : وهي المضمضمة ؛ والاستنشاق والسّواك ؛ وقصّ الشارب ؛ وفرق الرأس. وخمس في الجسد : التقليم ؛ والختان ؛ والاستنجاء بالماء ؛ وحلق العانة ؛ ونتف الإبط (١). وقيل : معناه : ابتلاه الله بالمناسك التي تعبّده بها وهي عرفة والمزدلفة والرمي والطواف والسعي. وقيل : معناه : ابتلاه الله بأمر عظيم ؛ فصبر وأحسن الظنّ بالله (٢). فأول ذلك الكوكب والقمر والشمس ، ثم النار ؛ فجعلها عليه بردا وسلاما ، ثم بالهجرة من أهله وولده ، ثم بالختان على رأس ثمانين سنة ، ثم بذبح الولد ، فاتخذه الله خليلا.
قوله تعالى : (فَأَتَمَّهُنَّ) أي عمل بهنّ ولم يترك منهنّ شيئا. قوله تعالى : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ؛) أي مقتدا بك ، (قالَ ؛) إبراهيم : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ؛) أي ومن أولادي ، فاجعل أئمة يقتدى بهم.
وأصل الذّرّيّة الأولاد الصّغار ؛ مشتق من الذّرى لكثرته. وقيل : من الذّرء ؛ وهو الخلق. وفيه ثلاث لغات : (ذرّيّة) بكسر الذال وهي قراءة زيد بن ثابت. و (ذرّيّة) بفتح الذال وهي قراءة أبي جعفر. و (ذرّيّة) بضمّ الذال وهي قراءة العامة.
قوله تعالى : (قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١٢٤) ؛ أعلمه الله تعالى أنّ في ذريته الظالم ؛ والظالم لا يصلح إماما. وفيه ثلاث قراءات : (عَهْدِي الظَّالِمِينَ)
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان عن ابن عباس : الأثر (١٥٨٠).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان عن ابن عباس : الأثر (١٥٨٩).