قالوا : هلّا يكلّمنا الله عيانا بأنّك رسوله. (أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) ؛ أي علامة دالة على صدقك ونبوتك ؛ يعنون قولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً)(١) الآية.
قوله عزوجل : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ؛) يعني اليهود الذين قالوا لموسى : أرنا الله جهرة. قوله تعالى : (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ؛) أي قلوب الأوّلين والآخرين منهم في القسوة والكفر. ويقال : تشابهت قلوب المشركين واليهود والنصارى في القسوة والكفر. قوله تعالى : (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (١١٨) ، أي لمن أيقن وطلب الحقّ. والآيات مثل بيان نعت النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وصفته في التوراة ؛ وانشقاق القمر ؛ وإعجاز القرآن وغير ذلك.
قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ) ؛ أي أرسلناك يا محمّد بالصّدق ؛ من قولهم : فلان محقّ في دعواه إذا كان صادقا ، دليله قوله تعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ)(٢) أي صدق. وقال مقاتل : (معناه : لن نرسلك عبثا بغير شيء ؛ بل أرسلناك بالحقّ) دليله قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ)(٣) وهو ضدّ الباطل. قال ابن عباس : (بالقرآن) دليله قوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ)(٤). وقال ابن كيسان : (بالإسلام) دليله قوله تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ)(٥).
قوله تعالى : (بَشِيراً وَنَذِيراً) ؛ أي بشيرا للمؤمنين بالثواب ، ونذيرا للكافرين بالعقاب. وقوله تعالى : (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) (١١٩) ؛ أي لست تسأل في الآخرة عن أصحاب الجحيم ، كما قال : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ)(٦) وقال : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ)(٧). ومن فتح التاء فعلى النّهي. وتأويله أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال ذات يوم : [ليت شعري ، ما فعل بأبويّ؟] فنزلت هذه الآية (٨).
__________________
(١) الإسراء : ٩٠.
(٢) يونس / ٣٥.
(٣) الحجر / ٨٥.
(٤) ق / ٥.
(٥) الاسراء / ٨١.
(٦) فاطر / ٨.
(٧) آل عمران / ٢٠.
(٨) في الدر المنثور : ج ١ ص ٢٧١ ؛ قال السيوطي : «أخرج وكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق