القيام). وقيل : مصلّون ؛ دليله : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ)(١). وقيل : داعون ، ويسمّى دعاء الوتر : قنوت ، الآية (٢) يدعو قائما.
قوله عزوجل : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ؛ أي مبتدعهما ومنشؤهما على غير مثال يسبق ، (وَإِذا قَضى أَمْراً) ؛ أي إذا أراد شيئا ، (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١١٧) ، وهذه الآية والتي قبلها جواب عن قول جماعة من النصارى ناظروا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم في أمر عيسى عليهالسلام. قال لهم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : [هو عبد الله ورسوله] قالوا : هل رأيت من خلق بغير أب؟ فأنزل الله هذه الآية وما قبلها جوابا لهم (٣).
ومعناها : إنّ الله مبتدع السموات والأرض وخالقهما ، وإذا أراد أمرا مثل عيسى بغير أب أو غير ذلك ، فإنّما يقول له : كن ، فيكون كما أراده. والإبداع : إيجاد الأشياء على غير مثال سبق ؛ والبديع فعيل بمعنى مفعّل ، والبديع أشدّ مبالغة من المبدع. قوله تعالى : (فَيَكُونُ) من رفعه ؛ فمعناه : فهو يكون. ومن نصبه ؛ فعلى جواب الأمر بالفاء. فإن قيل : قوله (كُنْ) خطاب للموجود أو للمعدوم ، ولا يجوز الأول ؛ لأنّ الشيء الكائن لا يؤمر بالكون ، والثاني لا يجوز أيضا ؛ لأنّ المعدوم لا يخاطب؟ قيل : إنّما قال ذلك على سبيل المثل ، لأن الأشياء لسهولتها عليه وسرعة كونها بأمره بمنزلة ما يقول له كن فيكون. وهذا مثل قوله : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً)(٤) لم يرد بهذا أن السماء والأرض كانتا في موضع فقال لهما : ائتيا ، فجاءا من ذلك الموضع ، ولكن أراد به تكوينهما ، فعلى هذا معنى (كُنْ فَيَكُونُ) أي يريده فيحدث.
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ ؛) أراد بالذين لا يعلمون يهود المدينة وغيرهم من الكفار ، وقيل : النصارى. وقيل : مشركو العرب ؛
__________________
(١) الزمر / ٩.
(٢) لعله أراد قوله عزوجل : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) [الزمر / ٩].
(٣) من حديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في مناظرة النجاشي له في الحبشة. أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ١ ص ٢٠٣. وفي مجمع الزوائد : ج ٦ ص ٢٧ ؛ قال الهيثمي : «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح».
(٤) فصلت / ١١.