وقال عبد الله بن عامر : [كنّا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ليلة سوداء مظلمة ؛ فنزلنا منزلا ، فجعل الرّجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا فيصلّي فيه ، فلمّا أصبحنا إذا نحن قد صلّينا إلى غير القبلة ، فأنزل الله هذه الآية](١).
وقال عبد الله بن عمر : نزلت في صلاة المسافر يصلّي حيثما توجّهت به راحلته تطوّعا ؛ [كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلّي على راحلته في السّفر أينما توجّهت به](٢). وقال عكرمة : (نزلت في تحويل القبلة إلى الكعبة لمّا صلّى إليها المسلمون بعد ما كانت قبلتهم بيت المقدس ، قالت اليهود : يصلّون مرّة هكذا ، ومرّة يصلّون هكذا! فأنزل الله هذه الآية).
فإن قيل : لم قال : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) على التوحيد وله المشارق والمغارب؟ قيل : لأنه أخرجه مخرج الجنس كما يقال : أهلك الله الدينار والدرهم.
قوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ؛) أي رضي الله كقوله تعالى : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ)(٣) أي لرضاه. وقيل : معناه : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أي علمه محيط بهم. وقيل : معناه : فأينما تولّوا وجوهكم أيها المؤمنون في سفركم وحضركم فثمّ قبلة الله التي وجّهتكم إليها فاستقبلوها ؛ يعني الكعبة.
وقال الكلبيّ : (معناه : فثمّ وجه الله تعالى يرى ويعلم). والوجه صلة كقوله : (تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ)(٤) أي تريدونه بالدعاء. وقوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)(٥) أي إلا هو. وقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ)(٦) أي ويبقى ربّك.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) (١١٥) ؛ قال الكلبيّ : (يعني : واسع المغفرة). وقال أبو عبيدة : (الواسع : الغنيّ). يقال : فلان يعطي من سعته ؛ أي
__________________
(١) أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح : أبواب الصلاة : باب ما جاء في الرجل يصلي لغير القبلة : الحديث (٣٤٥) ؛ وقال : «هذا حديث ليس إسناده بذاك». بسبب أشعث بن سعيد أبو الربيع السمان ، يضعف في الحديث.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٥٢٥). ومسلم في الصحيح : كتاب صلاة المسافرين : الحديث (٣٣ / ٧٠٠.
(٣) الإنسان / ٩.
(٤) الروم / ٣٩.
(٥) القصص / ٨٨.
(٦) الرحمن / ٢٧.