وأرادوا بالمساجد : المسجد الحرام ؛ منعوا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم والمسلمين عن ذكر الله فيه وصدّوهم عنه عام الحديبية ، فعلى هذا سعيهم في خرابها هو المنع عن ذكر الله فيها ؛ لأن عمارة المساجد بإقامة العبادات فيها.
وقوله تعالى : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) يعني أهل مكّة ، يقول الله : أفتحها عليكم حتى يدخلوها ، ويكونوا أولى بها منهم ، ففتحها الله عليهم ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم مناديا ينادي : [ألا لا يحجّنّ بعد هذا العام مشرك ؛ ولا يطوفنّ بالبيت عريان](١). فمنعوا منها ، فهذا خوفهم. (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أي ذلّ وقتل ونفي (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ).
وقيل : المراد بالآية : جميع الكفار الذين منعوا المسلمين من المساجد. وكل موضع يتعبّد فيه فهو مسجد ، قال عليه الصّلاة والسّلام : [جعلت لي الأرض مسجدا](٢). فعلى هذا تقدير (وَمَنْ أَظْلَمُ) الآية ممّن خالف ملّة الإسلام ؛ (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) ؛ أي يظهر الإسلام على جميع الأديان ، ولا يدخل الكفار المساجد إلا خائفين بعد أن كانوا لا يتركوا المسلمين أن يدخلوا مساجدهم.
قوله عزوجل : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ؛) قيل : معناه لا يمنعكم تخريب من خرّب مساجد الله أن تذكروه حيث كنتم من أرضه. وقال ابن عباس : (نزلت هذه الآية في نفر من الصّحابة رضي الله تعالى عنهم في سفر قبل تحويل القبلة إلى الكعبة ، فأصابهم الضّباب ، وحضرت الصّلاة ، فتحرّوا القبلة فصلّوا ؛ فمنهم من صلّى قبل المشرق ؛ ومنهم من صلّى قبل المغرب. فلمّا ذهب الضّباب استنار لهم أنّهم لم يصيبوا ، فلمّا قدموا ؛ سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فنزلت هذه الآية) (٣).
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح : كتاب الحج : باب لا يطوف بالبيت عريان : الحديث (١٦٢٢).
ومسلم في الصحيح : كتاب الحج : باب لا يحج البيت مشرك : الحديث (٤٣٥ / ١٣٤٧.
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ١ ص ٥١ : الحديث (١١٠٤٧) ، وإسناده حسن. وفي الحديث (١١٠٨٥) بإسناد ضعيف. ورواه البخاري في الصحيح : كتاب التيمم : الحديث (٣٣٥) ، وكتاب الصلاة : الحديث (٤٣٨).
(٣) في لباب النقول في أسباب النزول : ص ٢٧ ؛ قال السيوطي : «وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : ... وذكره».