قوله تعالى : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ؛) أي يقضي بين اليهود والنصارى والمشركين يوم القيامة ؛ أي يريهم من يدخل الجنة عيانا ؛ ومن يدخل النار عيانا. قوله تعالى : (فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١١٣) ؛ يعني من الدّين.
قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ؛) نزلت هذه الآية في ططوس بن استيسيانوس الرومي وأصحابه ، وذلك أنّهم غزوا بني إسرائيل فقتلوا مقاتليهم ؛ وسبوا ذراريهم ؛ وحرقوا التوراة ؛ وخرّبوا بيت المقدس وألقوا فيه الجيف ؛ وذبحوا فيه الخنازير ، وكان خرابا إلى أن بناه المسلمون في أيام عمر رضي الله عنه. ولم يدخل بيت المقدس بعد عمارتها روميّ إلا خائفا مستخفيا لو علم به لقتل.
وقال قتادة والسديّ : (نزلت في بختنصّر وأصحابه غزوا اليهود وخرّبوا بيت المقدس وأعانهم على ذلك ططوس الروميّ وأصحابه النّصارى من أهل الرّوم ؛ وذلك لبغضهم اليهود) (١). إلّا أنّ هذا يشبه الغلط ، والأول أظهر ؛ لأنه لا خلاف أنّ بختنصّر قبل مولد عيسى عليهالسلام بدهر طويل ، والنصارى إنّما ينتمون إلى عيسى عليهالسلام ، فكيف يكونون مع بختنصر؟!
ومعنى الآية : (وَمَنْ أَظْلَمُ) أي ومن أكفر عتيا (مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) يعني بيت المقدس ومحاريبه. وقوله : (أَنْ يُذْكَرَ) موضع (أَنْ) نصب على أنه مفعول ثان ؛ لأن المنع يتعدى إلى مفعولين ، وإن شئت جعلته نصبا بنزع الخافض ؛ أي بأن يذكر.
وقوله تعالى : (وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ ؛) وقال قتادة ومقاتل : (لم يدخل بيت المقدس أحد من النّصارى إلّا متنكّرا مسارقة لو قدر عليه عوقب ونهك ضربا). قال السديّ : (اختفوا بالجزية). وقال أهل المعاني : هذا خبر فيه معنى الأمر ، يقول : أجهضوهم بالجهاد لئلا يدخلها أحد منهم إلا خائفا من القتل والسبي.
قوله تعالى : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ ؛) أي عذاب وهوان ؛ وهو القتل والسبي إن كانوا حربا ، والجزية إن لم يكونوا حربا. قوله تعالى : (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١١٤) ؛ وهو النار. قال عطاء : (نزلت هذه الآية في مشركي مكّة).
__________________
(١) أصله أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٥١١) عن قتادة. و (١٥١٢) عن السدي.