بُرْهانَكُمْ) ؛ أي حجّتكم على ذلك من التوراة والانجيل ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١١١).
ثم قال الله تعالى ردّا عليهم وتكذيبا لهم : (بَلى ؛) أي ليس كما قالوا ، بل يدخل الجنّة ، (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ؛) أي من أخلص دينه لله. وقيل : من فوّض أمره إلى الله. وقيل : من خضع وتواضع لله. وأصل الإسلام : الاستسلام ؛ وهو الخضوع والانقياد. وإنّما خصّ الوجه ؛ لأنه إذا جاد بوجهه في السجود لم يبخل بسائر جوارحه.
وقوله تعالى : (وَهُوَ مُحْسِنٌ ؛) أي محسن في عمله ، وقيل : معناه : وهو مؤمن مخلص ، (فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ؛) أي فيما يستقبلهم من أهوال القيامة ، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١١٢) ؛ على ما خلفوا في الدنيا ؛ لأنّهم يتيقّنون بثوابهم عند الله.
قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ.) قال ابن عباس : (صدق كلّ واحد من الفريقين ، ولو حلف على ذلك أحد ما حنث ، وليس أحد من الفريقين على شيء). قوله تعالى : (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ) ؛ أي وكلا الفريقين يقرأون كتاب الله ، ولو رجعوا إلى ما معهم من الكتاب لما اختلفوا.
قوله تعالى : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) ؛ أي الذين ليسوا من أهل الكتاب ؛ نحو المجوس ومشركي العرب. يقولون أيضا : لن يدخل الجنّة إلا من كان على ديننا. وقيل : أراد بالذين لا يعلمون آباءهم الذين مضوا. وقال مقاتل : (هم مشركو العرب ؛ قالوا في محمّد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه : ليسوا على شيء من الدّين). وقال ابن جريج : (قلت لعطاء : كيف قال الّذين لا يعلمون؟ من هم؟ قال : أمم كانت قبل اليهود والنّصارى) (١) مثل قوم نوح ؛ وقوم هود ؛ وصالح ؛ ولوط ؛ وشعيب ؛ ونحوهم. قالوا في أنبيائهم : ليسوا على شيء ، وإنّ الدّين ديننا.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٥٠٧).