قوله تعالى : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ ؛) يعني من طاعة وعمل صالح تجدوا ثوابه ونفعه عند الله. وقيل : أراد بالخير المال ، كقوله تعالى : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً)(١) ومعناه : وما تقدّموا لأنفسكم من زكاة وصدقة الثمرة واللقمة تجدوه عند الله مثل أحد. (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١١٠) ، وفي الحديث : [إذا مات العبد قال النّاس : ما خلّف؟ وقال الملائكة : ما قدّم؟](٢).
روي أن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه دخل المقابر ، فقال : (السّلام عليكم يا أهل القبور ، أموالكم قسّمت ؛ ودياركم سكنت ؛ ونسائكم نكحت ، فهذا خبر ما عندنا ، فما خبر ما عندكم؟) فهتف به هاتف : وعليكم السّلام ، ما أكلنا ربحنا ؛ وما قدّمنا وجدنا ، وما خلّفنا خسرنا (٣).
قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ،) قال الفرّاء : وأراد يهودا فحذفت الياء الزائدة. قال الأخفش : (الهود جمع هاد ؛ مثل عائد وعود ، وحائل وحول). وفي مصحف أبيّ : (إلّا من كان يهوديّا أو نصرانيّا).
ومعنى الآية : قالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا ولا دين إلا اليهودية. وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيّا ، ولا دين إلا النصرانية. فأنزل الله تعالى : (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ ،) يجوز أن تكون (تِلْكَ) كناية عن الجنة ؛ ويجوز أن تكون المقالة. وأمانيّهم : أباطيلهم بلغة قريش ، وقيل : شهواتهم التي تمنّوها على الله بغير الحقّ. (قُلْ) ؛ لهم يا محمّد : (هاتُوا
__________________
(١) البقرة / ١٨٠.
(٢) الحديث عن أبي هريرة ؛ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان : باب في الزهد وقصر الأمل : الحديث (١٠٤٧٥). ولفظه : [إذا مات الميّت ...]. وفي إسناده يحيى بن سليمان الجعفي ، قال النسائي : «ليس بثقة». ووثقه الدارقطني ، وقال ابن حجر : «له أحاديث مناكير» في تهذيب التهذيب : الترجمة (٧٨٤٣). وفي إسناده أيضا : عبد الرحمن بن محمّد المحاربي ، ترجم له ابن حجر في التهذيب : الرقم (٤١١٢) ؛ قال : «قال النسائي : ثقة ، وقال أبو حاتم : صدوق إذا حدّث عن الثقات ، ويروي عن مجاهيل أحاديث منكرة».
(٣) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٢ ص ٧٣ ؛ علقه القرطبي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه مر ببقيع الغرقد فقال : ... وذكره.