ما عشت) فقالت اليهود : أمّا هذا فقد صبأ. وقال حذيفة : (وأمّا أنا فقد رضيت بالله ربّا وبمحمّد نبيّا وبالاسلام دينا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا). ثمّ أتيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأخبراه بذلك فقال : [أصبتما الخير وأفلحتما] فأنزل الله تعالى (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ) يا معشر المؤمنين (مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً) ونصب كفارا بالردّ. وقيل : بالحال. وقوله تعالى : (حَسَداً) ، أي حسدا لكم لتشريف الله إياكم عليهم بوضع النبوّة فيكم بعد ما كان في بني إسرائيل. وانتصب (حَسَداً) على المصدر ؛ أي يحسدونكم حسدا. وقيل : بنزع الخافض ، تقديره : للحسد.
قوله تعالى : (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ،) راجع إلى (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) لا إلى قوله (حسدا) لأن حسد الإنسان لا يكون إلا من قبله ؛ فكأنه تعالى بيّن أن مودّتهم ردّكم إلى الكفر ؛ لا لأنّ دينهم يأمرهم ذلك ، ولكن ذلك من عند أنفسهم ، (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) ، في التوراة وسائر الكتب : أن محمّدا صلىاللهعليهوسلم صدق ، وأن دينه حقّ. وقيل : معنى (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) أي لم يأمرهم الله بذلك.
قوله تعالى : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) ؛ أي اتركوهم وأعرضوا عنهم ، (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ؛) أي حتى يأذن الله عزوجل لكم في مقاتلتهم وسبيهم وينصركم عليهم. وقد جاء الله تعالى بأمره حين استقرّت آيات النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ومعجزاته ولم يؤمنوا ؛ أمر الله النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بقتالهم بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ..) الآية ، إلى قوله : (وَهُمْ صاغِرُونَ)(١) وغير ذلك من الآيات ، فقتلوا بني قريظة ؛ وأجلوا بني النضير. وقيل : معناه : (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) : قيام الساعة ويجازيهم بأعمالهم. (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٠٩).
قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) ، لمّا أمر الله تعالى بالصفح عن اليهود ، علم أن ذلك يشقّ على المسلمين ، فأمرهم الله بالاستعانة على ذلك بالصلاة والزّكاة كما قال الله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)(٢).
__________________
(١) التوبة / ٢٩ : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ)
(٢) البقرة / ٤٥.