ينكرون نسخ الشرائع ؛ ويقولون : إن النسخ سبب الندامة ، ولا يجوز ذلك على الله. فنزلت هذه الآية ردّا عليهم وبيّن أنه يدبر الأمر كيف يشاء.
ومعناه : ما نبدّل من آية أو نتركها غير منسوخة نأت بخير من المنسوخة ؛ أي أكثر في الثواب. وقيل : ألين ، وأسهل على الناس ؛ أو مثلها في المصلحة والثواب. قيل : إن قوله : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها ،) مثل الأمر بالقتال ؛ فرض الله في القتال أوّل ما فرض في الجهاد بأن يكون كلّ مسلم بدل عشرة من الكفار ، وكان لا يحلّ له أن يفرّ من عشرة كما قال تعالى : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ)(١) ثم نسخ بقوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) الآية (٢). ولم يقل أحد إن بعض آيات القرآن خير من بعض في التلاوة والنظم ؛ إذ جميعه معجز.
وأما قوله تعالى : (أَوْ مِثْلِها ؛) فهو مثل آية القبلة جعل الله ثواب الصلاة إلى الكعبة بعد النسخ مثل ثواب الصلاة إلى بيت المقدس قبل النسخ. وروي أن المشركين : قالوا : ألا ترون إلى محمّد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ، ويأمرهم بخلافه ، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا ، ما هذا القرآن إلا كلام محمّد يقوله من تلقاء نفسه ، وهو كلام يناقض بعضه بعضا. فأنزل الله تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٣). وأنزل أيضا : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها).
قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ) قرأ ابن عامر (ننسخ) بضم النون وكسر السين ، ومعناه على هذه القراءة نجعله نسخة من قولك : نسخت الكتاب ؛ إذا كتبته. وقرأ الباقون : (ننسخ) بفتح النون والسين.
وقوله (أو ننسها) قراءة سعيد بن المسيب وشيبة ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي (ننسيها) بضم النون وكسر السين ، ومعناه : نأمره بتركها. وقرأ أبي
__________________
(١) الأنفال / ٦٥.
(٢) الأنفال / ٦٦ : (.. وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).
(٣) النحل / ١٠١.