وقيل معناها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا) للنبيّ صلىاللهعليهوسلم (راعنا) أي اسمع إلينا نستمع إليك. وقيل : إنّ اليهود قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : إسمع إلى كلامنا حتى نسمع إلى كلامك ، فنهى الله عنه ؛ إذ لا يجوز لأحد أن يخاطب أحدا من الأنبياء إلا على وجه التوقير والإعظام.
قوله تعالى : (وَقُولُوا انْظُرْنا ؛) يحتمل أن يكون من النّظر الذي هو الرؤية ، ويحتمل أن يكون انظرنا حتى تبيّن لنا ما تعلّمنا. وقال مجاهد : (معناه فهّمنا). وقال بعضهم : معناه بيّن لنا. وقوله تعالى : (وَاسْمَعُوا ؛) أي اسمعوا ما تؤمرون به. والمراد أطيعوا. وقوله تعالى : (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٠٤) ؛ تفسيره قد تقدّم.
قوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ ؛) أي ما يتمنّى الذين كفروا من يهود المدينة ونصارى نجران ولا مشركي العرب عبدة الأوثان أن ينزّل عليكم أيّها المؤمنون من خير ، (مِنْ رَبِّكُمْ ،) من الوحي وشرائع الإسلام. قوله تعالى : (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) مجرور في اللفظ بالنّسق على (من) ، مرفوع في المعنى بفعله ، كقوله : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ)(١). قوله تعالى : (مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي خير كما تقول : ما أتاني من أحد ، ف (من) فيه وفي إخوانه صلة ، وهي كثيرة في القرآن.
قوله تعالى : (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) ؛ أي يختار برحمته للنبوة والإسلام من يشاء ، ويختصّ بها محمّد صلىاللهعليهوسلم. والاختصاص آكد من الخصوص ؛ لأن الاختصاص لنفسك ؛ والخصوص لغيرك ، (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (١٠٥) ؛ على من اختصّه بالنبوّة والإسلام.
قوله عزوجل : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) ؛ قيل : سبب نزول هذه الآية : أنّ اليهود كانوا يقولون حين حوّلت القبلة إلى الكعبة : إن كان الأول حقّا فقد رجعتم ، وإن كان الثاني حقّا فقد كنتم على الباطل. وقيل : سببه : أنّ اليهود كانوا
__________________
(١) الأنعام / ٣٨.