صلىاللهعليهوسلم. قالا : أوقد بعث محمد؟ قال : نعم. قالا : الحمد لله وأظهرا الاستبشار. وقال الرجل : وممّ استبشاركما؟ قالا : إنه نبيّ الساعة ، وقد دنا انقضاء عذابنا.
قوله عزوجل : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ ؛) يعني الملكين ؛ و (من) صلة ؛ أي لا يعلّمان أحدا السحر ، (حَتَّى ؛) ينصحاه أولا وينهياه و (يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ،) ومحنة ؛ (فَلا تَكْفُرْ ،) بتعلّم السحر. يقولان له ذلك سبع مرّات. قال السديّ وعطاء : (فإن أبى إلّا التّعلّم! قالا له : ائت هذه الرّماد فبل عليه ؛ فإذا بال عليه خرج منه نور يسطع في السّماء ؛ فتلك المعرفة. وينزل شيء أسود حتّى يدخل مسامعه يشبه الدّخان ؛ وذلك غضب الله).
وقوله عزوجل : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) (إنّما) وحّدها لأنّها مصدر ؛ والمصدر لا يثنّى ولا يجمع مثل قوله : (وَعَلى سَمْعِهِمْ)(١). وفي مصحف أبي : (وما يعلّم الملكان من أحد). وتعلّم السحر لا يكون إثما ؛ كمن يقول لرجل : علّمني ما الزّنا ، وما السرقة؟ فيقول : هو كذا وكذا ؛ ولكنه حرام فلا تفعله. وهما كانا لا يصفان السحر لأحد حتى يقولا : إنّما نحن اختبار وابتلاء للناس ؛ فلا تكفر أيها المتعلّم ؛ أي لا تتعلّم للعمل به.
وعن عائشة رضي الله عنها ؛ قالت : قدمت عليّ امرأة من أهل دومة الجندل تبغي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد موته لتسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السّحر ولم تعمل به ، فلما لم تجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بكت حتى رحمتها ، وقالت : إنّي أخاف أن أكون قد هلكت ؛ كان لي زوج فغاب عنّي ، فدخلت على عجوز فشكوت ذلك إليها ، فقالت : إن فعلت ما آمرك فأجعله يأتيك. فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين فركبت أحدهما وركبت الآخر ، فلم يكن كثيرا حتى وقفنا ببابل ، فإذا برجلين معلّقين بأرجلهما ، فقالا : ما جاء بكنّ؟ قلت : لنتعلّم السحر ، فقالا : إنّما نحن فتنة فلا تكفري وارجعي ، فقلت : لا ، قالا : إذهبي إلى ذلك التنّور ؛ فبولي فيه. فذهبت ففزعت ولم أفعل فجئت إليهما ، فقالا لي : فعلت؟ فقلت : نعم ، فقالا : هل رأيت شيئا؟ قلت : لا ، قالا : كذبت ، إنك لم تفعلي ، ارجعي إلى بلادك ، إنّما نحن فتنة فلا تكفري. فأبيت ، قالا : إذهبي إلى تلك التنّور فبولي فيه ، فذهبت فاقشعرّ جلدي فرجعت إليهما ، فقلت :
__________________
(١) البقرة / ٧.