قوله تعالى : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً ،) (واو) العطف دخلت عليها الألف ألف الاستفهام كما تدخل على الفاء في قوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ)(١)(أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ)(٢). وعلى (ثمّ) كقوله : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ)(٣).
قرأ أبو السمّال (٤) (أو كلّما) ساكنة الواو على النسق. و (كلّما) انتصب على الظرف. قوله تعالى : (عاهَدُوا عَهْداً) يعني اليهود. قال ابن عبّاس : [لمّا ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم لهم ما أخذ الله عليهم وما عهده إليهم فيه ؛ قال مالك ابن المصفي (٥) : والله ما عهد إلينا في محمّد عهدا ولا ميثاقا. فأنزل الله هذه الآية](٦). توضّحه قراءة ابن رجاء أبي العطارديّ : (أوكلّما عوهدوا عهدا) فجعلهم مفعولين. ودليل هذا التأويل قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ) الآية (٧).
وقال بعضهم : هو أن اليهود عاهدوا : لئن خرج محمّد لنؤمننّ به ولنكوننّ معه على مشركي العرب وننفوهم من بلادهم. فلما بعث نقضوا العهد وكفروا به ، دليله قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) أي طرحوه وراء ظهورهم. (نَبَذَهُ) ؛ أي طرحه (فَرِيقٌ مِنْهُمْ) ؛ أي طرحوه كأنّهم لا يعلمون صدق ما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوسلم. قوله تعالى : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠٠) ؛ أي أنّهم يعلمون ذلك ولكنّهم تجاهلوه كأنّهم لا يعلمون.
__________________
(١) الزخرف / ٤٠.
(٢) الكهف / ٥٠.
(٣) يونس / ٥١.
(٤) أبو السمّال العدويّ : وقراءة (أو) ساكنة الواو تجيء بمعنى (بل) كما يقول القائل : لأضربنك ؛ فيقول المجيب : أو يكفي الله.
(٥) هكذا في المخطوط ؛ وفي السيرة النبوية : (مالك بن الصيف) ، وقال القرطبي : «ويقال فيه : مالك ابن الصيف».
(٦) أخرجه ابن إسحق في السيرة النبوية لابن هشام : ج ٢ ص ١٩٦. وأسند ابن جرير الطبري عنهما بإسناده إلى ابن عباس في جامع البيان : ج ٤ ص ٦٢٠ : النص (١٣٦٠).
(٧) آل عمران / ١٨٧.