قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ،) يعني التوراة ، (كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٠١) ؛ يعني القرآن ؛ وقيل : التوراة أيضا ؛ لأنّهم إذا نبذوا القرآن فقد نبذوا التوراة. والنّبذ : الطّرح. وقرأ ابن مسعود : (نقضه فريق). وقال عطاء : (هي العهود الّتي كانت بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين اليهود كفعل قريظة والنّضير). والدليل قوله تعالى : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ)(١) وكانوا قد عاهدوا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أن لا يعينوا عليه أحدا ؛ فنقضوا وأعانوا مشركي قريش عليه يوم الخندق. وإنّما قال : (فَرِيقٌ مِنْهُمْ) لأن علماءهم هم الذين نبذوا عنادا مع العلم به ؛ وإنّما قال : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) لأنّ منهم من آمن وهو ابن سلام وكعب الأحبار وغيرهما.
والنبذ وراء الظّهر مثل من يستخفّ بالشيء ولا يعمل به. تقول العرب : اجعل هذا خلف ظهرك ؛ وتحت قدمك ؛ ودبر أذنك ؛ أي اتركه وأعرض عنه ، قال الله تعالى : (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا)(٢). وأنشد الزجّاج (٣) :
نظرت إلى عنوانه فنبذته |
|
كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا |
قوله عزوجل : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ؛) يعني اليهود. وهو عطف على (نَبَذَ فَرِيقٌ) كأنه قال (٤) : انبذوا كتاب الله واتّبعوا ما تتلوا الشياطين من السّحر ، (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ؛) ومعنى (ما تَتْلُوا) يعني ما تلت قبلهم شياطين الجن والإنس (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) أي على عهد ملك سليمان ، قيل : معنى تتلو تكذب ، يقال : فلان تلا من فلان ؛ إذا صدق في الحكاية عنه ، وتلى عليه إذا كذب عليه ؛ كما يقال : تال عنه وتال عليه.
وقال ابن عبّاس : (تتلو ؛ أي تتبع وتعمل). وقال عطاء : (تتحدّث وتتكلّم به). وقرأ الحسن : (الشّياطون) بالواو في موضع الرفع في كلّ القرآن. وسئل أبو حامد
__________________
(١) الأنفال / ٥٦.
(٢) هود / ٩٢.
(٣) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٢ ص ٤٠ : قال أبو الأسود.
(٤) أي قال الفريق من اليهود.