وحسدا لمّا بعث من غير بني إسرائيل مخافة زوال رئاستهم ، (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (٨٩).
قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا ،) أي بئسما باعوا به أنفسهم من الهدايا بكتمان صفة محمّد صلىاللهعليهوسلم أنّهم اختاروا الدّنيا على الآخرة ؛ باعوا أنفسهم بأن يكفروا ، (بِما أَنْزَلَ اللهُ ؛) يعني القرآن حسدا منهم للنبيّ صلىاللهعليهوسلم. وقيل : معناه : بئس الذي اختاروا لأنفسهم حتى استبدلوا الباطل بالحقّ ؛ والكفر بالإيمان. وقوله تعالى : (بَغْياً ؛) أصل البغي : الفساد ، يقال : بغى الجرح إذا أفسد. ومعنى قولنا : بغيا ؛ أي البغي.
وقوله تعالى : (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ؛) يعني الكتاب والنبوة على محمّد صلىاللهعليهوسلم. قوله تعالى : (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ،) قال قتادة : (الغضب الأوّل : حين كفروا بعيسى والإنجيل ، والثّاني : حين كفروا بمحمّد صلىاللهعليهوسلم والقرآن ؛ واستوجبوا اللّعنة على إثر اللّعنة) (١). وقال السديّ : (الغضب الأوّل : بعبادتهم العجل ؛ والثّاني : كفرهم بمحمّد صلىاللهعليهوسلم وتبديل صفته).
قوله تعالى : (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) (٩٠) ؛ أي وللجاحدين بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوسلم من الناس كلّهم عذاب مهين ؛ يهانون فيه فلا يعزّون.
قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ ؛) أي إذا قيل ليهود المدينة : صدّقوا بالقرآن ؛ (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا ؛) يعنون التوراة ، (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ ؛) أي ويجحدون بما سوى الذي أنزل عليهم كقوله تعالى : (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ)(٢) أي سواه. وقوله تعالى : (وَهُوَ الْحَقُّ ؛) يعني القرآن ، (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ ؛) أي موافقا للتوراة وسائر الكتب. ونصب (مصدّقا) على الحال.
وقوله تعالى : (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ ؛) أي قل لهم يا محمّد : إن كنتم تصدّقون التوراة فلم تقتلون أنبياء الله ، (مِنْ قَبْلُ ؛) وليس فيما أنزل
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٢٨٠).
(٢) المؤمنون / ٧.