قوله عزوجل : (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) (٨٨) ؛ قال قتادة : (معناه ما يؤمن منهم إلّا قليل ؛ وهو عبد الله بن سلام وأصحابه ؛ لأنّ من آمن من المشركين أكثر ممّن آمن من اليهود). فعلى هذا القول (ما) صلة معناه : فقليلا يؤمنون. ونصب (قليلا) على الحال ، وقيل : على معنى صاروا قليلا يؤمنون. وقيل : معناه : إيمانهم بالله قليل ؛ لأنّهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض. وانتصب (قليلا) على هذا التأويل على معنى : إيمانا قليلا يؤمنون.
وقال معمر : (معناه لا يؤمنون إلّا بقليل ممّا في أيديكم ويكفرون بأكثر) وعلى هذا القول يكون (قليلا) منصوبا بنزع الخافض ، و (ما) صلة ؛ أي فبقليل يؤمنون. وقال الواقديّ وغيره : (معناه : لا يؤمنون قليلا ولا كثيرا) وهذا كقول الرجل للآخر : ما أقلّ ما تفعل كذا! يريد لا يفعله البتّة.
قوله عزوجل : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ ؛) يعني القرآن موافقا لما معهم ؛ يعني التوراة وسائر الكتب في التوحيد والدّعاء إلى الله ؛ وقوله تعالى : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ؛) أي وكانوا من قبل مبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم يستنصرون بذكر القرآن ونبيّ آخر الزمان على الّذين جحدوا توحيد الله ؛ كانوا إذا قاتلوا المشركين ؛ قالوا : (اللهمّ انصرنا عليهم باسم نبيّك وبكتابك الّذي تنزّل على الّذي وعدتنا أنّك باعثه في آخر الزّمان ؛ الّذي نجد صفته في التّوراة) وكانوا يرجون أنّ ذلك النبيّ منهم ، وكانوا إذا قالوا ذلك نصروا ، وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين : أطلّ زمان يخرج نبيّ فيصدّق ما قلناه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم.
وقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا ؛) أي فلما بعث محمّد صلىاللهعليهوسلم وعرفوه بصفته في كتابهم ولم يكن منهم ، (كَفَرُوا بِهِ ؛) وغيّروا صفته بغيا
__________________
ـ اللعن ؛ معناه : أبيت أيها الملك أن تأتي ما تلعن عليه. واللعن : الإبعاد والطرد من الخير ، وقيل : الطرد والإبعاد من الله ، ومن الخلق والسبّ والدعاء. ورجل لعين وملعون ، والجمع ملاعين. لسان العرب : (لعن).