وقال : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) وفي الآية تقديم وتأخير ؛ تقديره :
(وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ ، تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ). وكان الله تعالى أخذ عليهم أربعة عهود : ترك القتل ؛ وترك الإخراج ؛ وترك المظاهرة عليهم من أعدائهم ؛ وفداء أسرائهم. فأعرضوا عن كلّ ما أمر الله تعالى به ؛ إلّا الفداء. فقال الله تعالى : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ؛) وإيمانهم الفداء ؛ وكفرهم القتل والإخراج والمظاهرة. وقال مجاهد : (يقول : إن وجدته في يد غيرك فديته ؛ وأنت تقتله بيدك؟!) (١).
قوله تعالى : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ؛) أي فما جزاء من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض إلا ذلّ وهوان في الدّنيا. يعني بالخزي : قتل بني قريظة وسبيهم وإجلاء بنو النضير عن منازلهم. يقال في السّوء والشرّ : خزي يخزى خزيا. وفي الحياء : خزى يخزي خزاية.
قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ ؛) وهو عذاب النار. وقرأ السلميّ والحسن وأبو رجاء : (تردّون) بالتاء. كقوله تعالى : (أَفَتُؤْمِنُونَ).
قوله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٨٥) ؛ «قرأ» بالياء مدنيّ ومكي وأبو بكر ويعقوب. والباقون بالتاء.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ ؛) أي استبدلوا الدّنيا بالآخرة ، (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ ؛) أي لا يهوّن ، (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٨٦) ؛ من عذاب الله.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ،) أي أعطينا موسى التوراة جملة واحدة ، وأردفنا وأتبعنا من بعده رسلا ؛ رسولا من بعد رسول ؛ يقال : قفى أثره وقفى غيره في التعدية مأخوذ من قفاء الإنسان ؛ قال الله
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٢١٨).