ويومان ، وفيما زاد على العشرة أحد عشر ؛ وليس لأحد أن يعترض على هذا بقوله في ليلة الصّيام : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) أراد بها الشهر كلّه ؛ لأنه ظاهر لفظ الأيّام من الثلاثة إلى العشرة. إلّا أنه قد يذكر ويراد به الزيادة ، وقد فسّر الله تعالى أيام الصوم بالشّهر ، فانعقد بذلك التفسير. وأما أيام الحيض فمبهمة ؛ فلا بدّ أن تكون محصورة ؛ لأن الأحكام تختلف بحال الحيض والطّهر ، فكان حمل اللفظ على ظاهره وحقيقته أولى (١).
__________________
(١) القول بأن لفظ (معدودة) في الآية للقلة ، كقوله تعالى : بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ ، وفي آية الصوم أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ مما يفيد الزيادة والكثرة ، فإنه لا يسلّم له ؛ لوجود المعارضة من أوجه عديدة :
الأول : أن لفظ (مَعْدُوداتٍ) ورد وهو يفيد القلة أيضا كقوله تعالى : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى)[البقرة / ٢٠٣] وهي أيام التشريق ثلاثة أيام ، وكقوله تعالى : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ)[الحج / ٢٨] ، وفي الأثر عن ابن عباس قال : «الأيام المعلومات : الأيام العشر ، والأيام المعدودات : أيام التشريق» وإسناده حسن. فعلى هذا ، فإن الفهم فيه نظر ، وعليه جواب فلا يسلّم له.
ومن وجه ثان : أن صفة الجمع التاء أو الألف أو التاء متعلقة الاسم إن كان مذكرا أو مؤنثا ، وقد يرد على الوجهين ، كما في صورة (معدودة) و (معدودات) ، وذلك أن الاسم إذا كان مذكرا ، فالأصل في جمعه التاء ، يقال : كوز وكيزان مكسورة ، وثياب مقطوعة. وإن كان مؤنثا كان الأصل في صفة جمعه الألف والتاء ، يقال : جرّة أو جرار مكسورات ، وخابية وخوابي مكسورات ، إلا أنه قد يوجد الجمع بالألف والتاء فيما واحده مذكر في بعض الصور ، وعلى هذا ورد قوله (فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) وقوله تعالى : (أَيَّاماً مَعْدُودَةً ،) والأيام المعدودات في قوله : (أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) هي أيام التشريق كما تقدم ، وهي ثلاثة أيام ، والأيام المعلومات في قوله : (أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) هي الأيام العشر ، وهو جمع أيضا يتعين معناه بالأيام العشر. ولكن على ما يبدو لنا أنه يفيد معنى آخر : أن اليهود استهانوا بالأيام وهوّنوا أمرها واستخفوا بها ؛ فالمسألة ليس متعلقها العدد ، وإنما متعلقها شأن هذه الأيام وأثرها عليهم. ولهذا تعدّ أنّها تفيد العدد المفتوح قلة أو كثرة ، ولكنها ارتبطت في الذهن بالشأن ، فذكر الله عظم هذه الأيام بالألف والتاء ؛ ليتسع معهودها الذهني للزيادة في الثواب حين اقترنت بذكر الله. والله أعلم.
أما الاحتجاج بالحديثين ، فإنه بمقتضى الدلالة العقلية للنصوص الشرعية ، إذ إن الموضوع مختلف في الصور الثلاث : صورة العذاب ، وصورة الحج ، وصورة الحيض. وأيام الأقراء غير محددة فهي مبهمة ، وغير المحدد لا يبنى عليه فهم لأنه غير معروف أو هو مقدّر ، وذلك أن