وقوله تعالى : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً ؛) أي ليس كما تقولون. قال الكسائيّ : (الفرق بين بلى ونعم : أنّ بلى إقرار بعد جحد ؛ ونعم جواب استفهام لغير جحد. فإذا قيل لك : أليس فعلت كذا؟ تقول : بلى. أو قيل لك : ألم تفعل كذا؟
تقول : بلى). وقال تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(١). وقال في غير الجحود : (فَهَلْ
__________________
ـ حصر إضافة لفظ الأيام بالعشرة فما دونها ، فيقال : أيام خمسة ، وأيام عشرة ، ولا تضاف إلى ما فوقها ، فلا يقال : أيام أحد عشر ، فإنه يشكل بأيام الصيام ، من قوله تعالى : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) وهي أزيد من العشرة. ولا يقال : إنه فسر أيام الصوم بالشهر من قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ)[البقرة / ١٨٥] فإنه كذلك تفسير للأيام المعدودات فيه ، فتكون الأيام المعدودات هي جميع الشهر.
ثم إنه إذا ثبت أن الأيام محمولة على العشر فما دونها ، فالأشبه أن يقال : إنه الأقل أو الأكثر ؛ لأنها أضيفت إلى عارض ولم يرد به تحديد العدد ، فيقال : أيام سفرك ، وإقامتك ، ومشيك ، وإن كان ثلاثين أو عشرين أو ما شئت من العدد ؛ لأن من يقول : ثلاثة ، يقول : أحمله على أقل الحقيقة ، فله وجه. ومن يقول : عشرة ، يقول : أحمله على الأكثر ، وله وجه ، فخرّج الكلام عليه. وفي التقدير أن لفظ (المعدودة) أو (معدودات) يحمل على إرادة القائل حسب ما هو معتاد عنده ؛ ويقتضي إما معرفة معهوده في الخطاب ؛ أي فهم الواقع المراد عنده في إطلاق اللفظ ، أو ورود النص في ذلك.
أما المفهوم الذي ورد عندهم ، فإنه اختلف فيه عدد محدد ، إما أنه يسير فلا خلاف لورود النص في ذلك ، ولكن المختلف فيه هو مقدار هذا اليسير بزعمهم ، وأصح القولين فيه : أنه يقبل الأكثر والأقل ؛ وكأن الموضوع ليس ذا بال من حيث العدد ، ولكن المراد هو اعتقادهم بأنهم ناجون من غير أن يتخذوا عهدا أو وعدا بذلك.
أما حديث لبثهم يسير ، أخرجه أحمد والبخاري والدارمي والنسائي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : لمّا افتتحت خيبر أهديت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم شاة فيها سمّ ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [اجمعوا لي من كان ههنا من اليهود] فقال لهم : [من أبوكم؟] قالوا : فلان. قال : [كذبتم ، بل أبوكم فلان] قالوا : صدقت وبررت. ثم قال لهم : [هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه؟] قالوا : نعم يا أبا القاسم ، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته عن أبينا. فقال لهم : [من أهل النّار؟] قالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها. فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [اخسئوا ـ والله ـ لا نخلفكم فيها أبدا].
أما حديث الأقل من عشرة ، فهو ما تقدم من قولهم بمدة الدنيا.
أما حديث لبثهم أربعين يوما ، فقد أسنده الطبري في التفسير : النصوص (١١٥٥ و ١١٥٩ و ١١٦٠). وروي موقوفا عن عكرمة ، أخرجه الطبري في النصوص (١١٦١ و ١١٦٢) وعن ابن زيد في النص (١١٦٣).
(١) الأعراف / ١٧٢.