قوله تعالى : (أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (٧٧) أي ما يسرّون من تكذيب النبيّ صلىاللهعليهوسلم فيما بينهم ، وما يعلنون مع الصّحابة من التصديق.
وقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ ؛) أي ومن اليهود من لا يحسن القراءة ولا الكتابة إلا أن يحدثهم كبارهم بشيء فيظنّونه حقّا ؛ فيصدقونهم وهو كذب. قوله تعالى : (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ.) اختلفوا في معنى الأماني ، قال الكلبيّ : معناه لا يعلمون إلّا ما يحدّثهم به علماؤهم. وقال أبو روق : (القراءة من ظهر القلب ولا يقرءون في الكتب) ودليل هذا قوله تعالى : (إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)(١) أي إلّا إذا قرأ ألقى الشّيطان في قراءته. قال الشاعر (٢) :
تمنّى كتاب الله أوّل ليلة |
|
وآخره لاقى حمام المقادر |
وقال مجاهد : (الأمانيّ الكذب والأباطيل ؛ كقول عثمان رضي الله عنه : (ما تمنّيت منذ أسلمت) أي ما كذبت). وأراد بالأمانيّ الأشياء التي كتبها علماؤهم من عند أنفسهم ثم أضافوها إلى الله تعالى من تغيير صفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وقال الحسن : (معنى : يتمنّون على الله الكذب والباطل مثل قوله : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً)(٣) وقوله : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى)(٤) وقولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)(٥)).
قوله تعالى : (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٧٨) ؛ أي ما هم إلّا يظنّون ظنّا وتوهّما لا حقيقة ويقينا ، قاله قتادة والربيع. وقال مجاهد : معناه : (وإن هم إلّا يكذبون).
قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ) ؛ نزلت هذه الآية في علماء اليهود الذين غيّروا صفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم في التوراة فكتبوها : محمّد سبطا ؛ طويلا ؛ أزرقا ؛ شبط الشّعر. وكانت صفته في التوراة : حسن الوجه ؛ جعد الشعر ؛ أسمر ربعة. فبدّلوا وقالوا : هذا من عند الله ، وإذا سئلوا عن
__________________
(١) الحج / ٥٢.
(٢) هو كعب بن مالك.
(٣) البقرة / ٨٠.
(٤) البقرة / ١١١.
(٥) المائدة / ١٨.