وقال ابن عبّاس ومقاتل والكلبيّ : (نزلت هذه الآية في السّبعين الّذين اختارهم موسى لميقات ربه لمّا أخذتهم الرّجفة وأحياهم الله تعالى بدعاء موسى ؛ حين قالوا : يا موسى أسمعنا كلام الله؟ فطلب ذلك ؛ فأجابه الله : مرهم أن يتطهّروا ويطهّروا ثيابهم ويصوموا ؛ ففعلوا ، ثمّ خرج بهم موسى حتّى أتوا الطّور ؛ فلمّا غشيهم الغمام سمعوا صوتا كصوت الشّبّور (١) ؛ فسجدوا ، فسمعوا كلام الله يقول : (إنّي أنا الله ربّكم لا إله إلّا أنا الحيّ القيّوم ، لا تعبدوا إلها غيري ولا تشركوا بي شيئا ؛ وأوصيكم ببرّ الوالدين ؛ وأن لا تحلفوني كاذبين ؛ ولا تزنوا ؛ ولا تسرقوا ؛ ولا يقتل بعضكم بعضا ؛ ولا يشهد بعضكم على بعض شهادة زور ؛ وأطعموا المساكين ؛ وصلوا القرابة ؛ ولا تظلموا اليتيم ؛ ولا تقهروا الضّعيف) (٢).
فلمّا سمعوا خرجت أرواحهم ثمّ ردّت إليهم. فقالوا : يا موسى إنّا لا نطيق أن نسمع كلام الله عزوجل يقول في آخر كلامه : (إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا ، وإن شئتم فلا تفعلوا ، ولا بأس). والمعنى بهذه الآية تقرّ به الصحابة في أنّ اليهود إن كذّبوا النبيّ فلهم سابقة في الكفر والتّحريف.
قوله عزوجل : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا ؛) قرأ ابن السّميقع (وإذا لاقوا) قيل : يعني المنافقين من أهل الكتاب في وقت موسى ؛ فإنه كان في قومه منافقون ، كما في أمّتنا. وقيل : المراد به منافقو هذه الأمة ، وإنّما ذكرهم الله تعالى هنا مع اليهود ؛ لأن أكثرهم كانوا منهم من اليهود قبل مبعث النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
معناه : (وَإِذا لَقُوا) المنافقون من اليهود (الَّذِينَ آمَنُوا) ، يعني أبا بكر وأصحابه من المؤمنين. قالوا : (آمَنَّا) كإيمانكم وشهدنا بأن محمّدا صادق ونجده في كتابنا بنعته وصفته ، (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) ، أي وإذا خلوا إلى رؤسائهم ، (قالُوا) ؛ قال لهم رؤساؤهم ـ كعب بن أشرف ؛ وكعب بن أسد ؛ ووهب بن
__________________
(١) على وزن (التنور) : وهي البوق.
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٢ ص ٢ ؛ قال القرطبي : «هذا حديث باطل لا يصح. رواه ابن مردان عن الكلبي ، وكلاهما ضعيف لا يحتج به».