(أَوْ أَشَدُّ) ؛ يبسا وغلظا. ومعنى (أو أشدّ) : بل أشدّ ، كقوله : (كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)(١). وقيل : (أو) بمعنى الواو ؛ أي وأشدّ ، (قَسْوَةً ،) وقوله تعالى : (بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ)(٢) ومثل : (لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَ)(٣) ، وقوله تعالى : (آثِماً أَوْ كَفُوراً)(٤). وقرأ أبو حيوة : (أو أشدّ قساوة).
ثم عذر الله الحجارة وفضّلها على القلب القاسي ، فأخبر أنّ منها ما يكون فيه رطوبة ؛ وأنّ منها لما يتردّى من أعلى الجبل إلى أسفله مخافة الله عزوجل فقال تعالى : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ ،) وقرأ مالك بن دينار : (نتفجّر) بالنون كقوله (فَانْفَجَرَتْ.) وفي مصحف أبيّ (منها الأنهار) ردّ الكناية إلى الحجارة. (وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ)(٥)(فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ) ، قرأ الأعمش : (يتشقّق).
وقوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ؛) أي ينزل من أعلى الجبل إلى أسفله من خشية الله ؛ وقلوبكم يا معشر اليهود لا تلين ولا تخشع ولا تأتي بخير. قيل : لا يهبط من الجبال حجر بغير سبب ظاهر إلا وهو مجعول فيه التمييز.
قوله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٧٤) ؛ وعيد وتهديد ؛ أي ما الله بتارك عقوبة ما تعملون ؛ بل يجازيكم به.
قوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) ؛ خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه : أفترجون أيّها المؤمنون أن تصدّقكم اليهود فيما آتاكم به نبيكم محمّد ، (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ ؛) أي طائفة ، (مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) ؛ يعني التوراة ، (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) ؛ أي يغيّرونه ، (مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) ؛ أي من بعد ما فهموه وعلموه كما غيّروا آية الرّجم وصفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وقوله تعالى : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥) (٦) ؛ أي وهم يعلمون أنّهم كاذبون ، هذا قول مجاهد وعكرمة والسديّ وقتادة.
__________________
(١) النحل / ٧٧.
(٢) النور / ٦١.
(٣) النور / ٣١.
(٤) الإنسان / ٢٤.
(٥) فيه إدغام التاء ؛ في الأصل : يتشقّق.
(٦) أنّهم مفترون ، والهمزة للآية ؛ أي لا تطمعوا فلا سابقة في الكفر به أبين. تفسير الجلالين.