ثلاثة أقوال : أحدها : أنه ذكّر لتذكير لفظ البقر كقوله : (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)(١). وسئل عن هذا سيبويه فقال : (كلّ جمع حروفه أقلّ من حروف لفظ واحده ؛ فإنّ العرب تذكّره). وقال الزجّاج : (معناه أنّه أراد جنس البقر).
وقوله تعالى : (تَشابَهَ) فيه سبع قراءات : (تشابه) بفتح التاء والهاء وتخفيف الشّين ؛ وهي قراءة العامّة. وقراءة الحسن : (تشابه) بالتخفيف وهاء مضمومة ؛ يعني تتشابه. وقراءة الأعرج : (تشابه) بفتح التاء والتشديد وضمّ الهاء على معنى : تتشابه. وقرأ مجاهد : (تشّبّه) كقراءة الأعرج إلا أنه بغير ألف. وفي مصحف أبيّ : (تشابهت) أنّثه لتأنيث البقر. وقرأ ابن إسحق : (تشّابهت) بالتشديد (٢). وقرأ الأعمش : (متشابه).
قوله تعالى : (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) (٧٠) ؛ يعني إلى وصفها. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [واسم الله لو لم يستثنوا لما بيّنت لهم إلى آخر الأبد](٣).
قوله تعالى : (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ ؛) أي لا مذلّلة بالعمل ، (تُثِيرُ الْأَرْضَ ؛) أي ليست بحراثة ، (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ ؛) أي ليست ناضحة لا يسقى عليها الزرع. قوله تعالى : (مُسَلَّمَةٌ ؛) أي بريّة من العيوب. وقال الحسن : (مسلّمة القوائم ليس فيها أثر العمل). قوله تعالى : (لا شِيَةَ فِيها ؛) أي لا عيب فيها. وقال قتادة : (لا بياض فيها أصلا). وقال مجاهد : (لا بياض فيها ولا سواد). وقيل : ليس فيها لون يفارق سائر لونها. والذّلول في الدواب : بمنزلة الذليل في الناس ؛ يقال : رجل ذليل ؛ ودابّة ذلول.
وقوله تعالى : (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ؛) أي بالوصف البيّن التامّ ؛ فطلبوها ؛ فلم يجدوها بكمال وصفها إلا عند الفتى البارّ بوالديه ؛ فاشتروها منه بملئ
__________________
(١) القمر / ٢٠.
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١ ص ٤٥٢ ؛ نقل القرطبي قال : «قال أبو حاتم : وهو غلط ؛ لأن التاء في هذا الباب لا تدغم إلا في المضارع».
(٣) في الدر المنثور : ج ١ ص ١٨٩ ؛ قال السيوطي : «أخرج البزار عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم : [إنّ بني إسرائيل لو أخذوا بأدنى بقرة لأجزأهم ذلك]. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ...» وذكره بلفظ قريب.