أعمل فيه التبيين وجعل (ما) صلة. (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها ؛) قيل : يعني سوداء مثل قوله : (جِمالَتٌ صُفْرٌ)(١) أي سود ، كذا قال الحسن. والعرب تسمي الأسود أصفر. قال الشاعر (٢) :
تلك خيلي منه وتلك ركابي |
|
هنّ صفر أولادها كالزّبيب |
والصحيح : أنّها صفراء ؛ لأن السوداء لا تؤكّد بالفاقع ، وإنّما تؤكّد بالحالك ، يقال في المبالغة في الوصف : أصفر فاقع ؛ وأحمر قان ؛ وأسود حالك ؛ وأخضر ناضر ؛ وأبيض ناصع. ويقال : أبيض نقيّ ، فمعنى (فاقع) أي صاف شديد الصّفرة. وقال ابن عبّاس : (صفراء فاقع لونها شديدة الصّفرة). وقال العتيبيّ : (غلط من قال : الصّفراء ها هنا السّوداء ؛ لأنّ هذا غلط في نعوت البقر ، وإنّما هو في نعوت الإبل).
قوله تعالى : (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (٦٩) ؛ أي تعجب الناظرين إليها ؛ لتمام خلقها ؛ وكمال حسنها ؛ ونصوع لونها. قال عليّ رضي الله عنه : (من لبس نعلا صفراء قلّ همّه ؛ لأنّ الله تعالى يقول : (صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)). فإن قيل : لم أمروا بذبح البقرة دون غيرها؟ قيل : لأن القربان تكون من الإبل والبقر والغنم ؛ وكانوا يحرّمون لحم الإبل ؛ كما قال تعالى : (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ)(٣) يعني لحوم الإبل ؛ وكان ذبح البقرة أفضل من ذبح الغنم فخصّت بذلك.
قوله عزوجل : (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ؛) أسائمة أم عاملة؟ قوله تعالى : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا ؛) هذه قراءة العامة ؛ وقرأ محمّد الأمويّ (٤) : (إنّ الباقر) هو جمع البقر. قال قطرب : يقال في جمع البقرة : بقر وباقر وباقور وبقور. فإن قيل : لم قال (تشابه) والبقر جمع ؛ ولم يقل تشابهت؟ قيل : فيه
__________________
(١) المرسلات / ٣٣.
(٢) البيت للأعشى ، ينظر : ديوانه : ص ٢٠ من قصيدة في مدح قيس بن معديكرب.
(٣) آل عمران / ٩٣.
(٤) محمّد ذو الشامة الأموي. وقرأ بها عكرمة ويحيى بن يعمر. نقله القرطبي في الجامع : ج ١ ص ٤٥٢ ؛ وقال : «جعله فعلا مستقبلا».