وقال ابن عبّاس : (كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل ؛ وكان له عجلة ، فأتى بالعجلة إلى غيضة ؛ وقال : اللهمّ إنّي أستودعك هذه العجلة لابني حتّى يكبر. ومات الرّجل فنشأت العجلة في الغيضة وصارت عوانا ؛ وكانت تهرب من كلّ من رآها ، فلمّا كبر الابن وكان بارّا بأمّه ، كان يقسم اللّيلة أثلاثا ؛ يصلّي ثلثا ؛ وينام ثلثا ؛ ويجلس عند رأس أمّه ثلثا ، فإذا أصبح ذهب يحتطب على ظهره ويبيعه في السّوق ، ثمّ يتصدّق بثلثه ؛ ويأكل ثلثه ؛ ويعطي أمّه ثلثه.
فقالت له أمّه يوما : إنّ أباك ورّثك عجلة ، وذهب بها إلى غيضة كذا واستودعها الله ، فانطلق إليها وادع إله إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب أن يردّها عليك ؛ فإنّ من علامتها أنّك إذا نظرت إليها يخيّل إليك أنّ شعاع الشّمس يخرج من جلدها. وكانت تسمّى المذهّبة لحسنها وصفرتها وصفاء لونها.
فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى ؛ فصاح بها وقال : أعزم عليك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب ، فأقبلت تسعى حتّى قامت بين يديه ؛ فقبض على عنقها وقادها. فتكلّمت البقرة بإذن الله تعالى ؛ وقالت : أيّها الفتى البارّ بوالديه! اركبني فإنّ ذلك أهون عليك. قال : إنّ أمّي لم تأمرني بذلك! ولكن قالت : قودها بعنقها ، فقالت : وحقّ إله بني إسرائيل ؛ لو ركبتني ما كنت تقدر عليّ أبدا ، فانطلق فإنّك لو أمرت الجبل أن ينقطع من أصله وينطلق معك لفعل لبرّك بأمّك!
فجاء بها إلى أمّه فقالت له : يا بنيّ إنّك فقير ؛ وشقّ عليك الاحتطاب بالنّهار ؛ والقيام باللّيل ، فاذهب وبع هذه البقرة فخذ ثمنها. فقال : بكم؟ فقالت : بثلاثة دنانير ؛ ولا تبعها بغير رضاي ومشورتي! وكان ثمن البقرة في ذلك الوقت ثلاثة دنانير.
فانطلق بها إلى السّوق ، فبعث الله ملكا في صورة بشر ليختبر كيف برّ الفتى بوالديه! فقال الملك : بكم تبيع هذه البقرة؟ قال : بثلاثة دنانير ؛ وأشرط عليك رضى والدتي. فقال الملك : بستّة دنانير ؛ ولا تستأذن أمّك. فقال : لو أعطيتني وزنها ذهبا لم آخذه إلّا برضاء والدتي! فردّها إلى أمّه. فقالت : بعها بستّة دنانير على رضى منّي.
فانطلق بها وقال للملك : إنّها أمرتني أن لا أنقصها من ستّة دنانير على أن أستأمرها.
فقال الملك : أنا أعطيك اثنى عشر على أن لا تستأمرها ، فأبى ، ورجع إلى أمّه