وقرأ ابن محيصن : (أيتّخذنا) بالياء يعنون الله عزوجل. ولا يستبعد هذا من جهلهم ؛ لأنّهم هم الذين قالوا : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ)(١). وفي قوله عزوجل : (هُزُواً) ثلاث لغات : (هزوا) بالتخفيف والهمز ومثله كفوا ؛ وهي قراءة الأعمش وحمزة وخلف. و (هزؤاّ) و (كفؤاّ) مهموزان مثقّلان ، وهي قراءة أبي عمرو وأهل الحجاز والشام والكسائي. وهزوّا وكفوّا مثقّلان بغير همز هي قراءة حفص عن عاصم ، وكلها لغات صحيحة فصيحة معناها الاستهزاء.
فـ : (قالَ ؛) لهم موسى : (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٦٧) ؛ أي أمتنع بالله أن أكون من المستهزئين بالمؤمنين.
فلمّا علم القوم أن ذبح البقرة عزم من الله ، (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ،) أي ما هذه البقرة ؛ كبيرة أم صغيرة؟ وروي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [والّذي نفس محمّد بيده ؛ لو أنّهم عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لأجزت ، ولكن شدّدوا على أنفسهم بالمسألة فشدّد الله عليهم](٢). إنّما كان تشديدهم تقديرا من الله عزوجل وحكمة منه.
وكان السبب فيه : أن رجلا من بني إسرائيل كان بارّا بأبويه ، وبلغ من برّه أنّ رجلا أتاه بلؤلؤة فابتاعها بخمسين ألفا ، وكان فيها فضل. فقال : إن أبي نائم ومفتاح الصندوق تحت رأسه ، فأمهلني حتى يستيقظ وأعطيك الثمن. قال : فأيقظه وأعطني الثمن. قال : ما كنت لأفعل ، قال : أزيدك عشرة آلاف إن أيقظت أباك وعجّلت النقد. فقال : وأنا أزيدك عشرين ألفا إن انتظرت انتباه أبي ؛ ففعل ولم يوقظ الرجل أباه ؛ فأعقبه الله ببرّه أباه أن جعل البقرة تلك بعينها عنده. وأمر بني إسرائيل أن يذبحوا تلك البقرة بعينها.
__________________
(١) الأعراف / ١٣٨.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٠٣١ و ١٠٣٢ و ١٠٣٣) مرسلا. وفي الدر المنثور : ج ١ ص ١٨٩ ؛ قال السيوطي : «وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة : ...» ذكره ، وسكت عنه.