دموعهم ولم يأكلوا ولم يشربوا ، ثم أهلكهم الله تعالى. فجاءت ريح فهبّت بهم وألقتهم في الماء ، وما مسخ الله تعالى أمّة إلا أهلكها.
قوله عزوجل : (فَجَعَلْناها نَكالاً ؛) أي القردة ؛ وقيل : المسخة ؛ وقيل : العقوبة ؛ وقيل : القرية. وقوله تعالى : (نَكالاً) أي عقوبة وعبرة وفضيحة ، (لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها ؛) أي عقوبة لما مضى من ذنوبهم وعبرة لمن بعدهم. وقال قتادة : (معناه جعلنا تلك العقوبة جزاء لما تقدّم من ذنوبهم قبل نهيهم عن الصّيد ؛ وما خلفها من العصيان بأخذ الحيتان بعد النّهي). وقيل : لما بين يديها من عقوبة الآخرة ؛ وما بعدها من فضيحة في دنياهم ، فتذكرون بها إلى يوم القيامة. وقوله تعالى : (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (٦٦) ؛ أي عظة وعبرة للمؤمنين من أمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم الذين يتّقون الشّرك والكبائر والفواحش ، فلا يفعلون مثل فعلهم.
قوله عزوجل : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ؛) هذه الآية نزلت بعد قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها)(١) وإن كانت مقدّمة في التلاوة ؛ لأن قتل النفس كان قبل ذبح البقرة.
والقصّة فيه ما روي : أنّ بني إسرائيل قيل لهم في التّوراة : أيّما قتيل وجد بين قريتين فليقس إلى أيّهما أقرب ؛ ثمّ ليؤخذ لأهل تلك القرية وليحلف خمسون شيخا من شيوخهم بالله ما قتلوه ولا علموا له قاتلا. فقتل رجلان من بني إسرائيل ابن عمّ لهما اسمه عاميل ليرثاه ؛ وكانت لهما ابنة عمّ حسنة ، فخافا أن ينكحها ؛ فقتلاه لذلك وحملاه إلى جانب قرية فأخذ أهل تلك القرية به فجاءوا إلى موسى عليهالسلام ، وقالوا : أدع الله تعالى أن يطلعنا على قاتله ، فأوحى الله إليه : امرهم أن يذبحوا بقرة ، فأمرهم بذلك ليضرب المقتول ببعض تلك البقرة فيحيى فيخبرهم بمن قتله. ف : (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ؛) أي تستهزئ بنا يا موسى حين سألناك عن القتل وتأمرنا بذبح بقرة!! وإنّما قالوا ذلك لتباعد الأمرين في الظاهر ؛ ولم يدروا ما الحكمة فيه.
__________________
(١) البقرة / ٧٢.