قوله عزوجل : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ؛) وذلك أنّهم كانوا في زمن داود بأرض يقال لها : إيلية على ساحل البحر بين المدينة والشّام ، وكانت مسكن بني إسرائيل. وكان الله قد حرّم عليهم صيد السّمك يوم السبت ، وكان إذا دخل يوم السبت لم يبق حوت إلا اجتمع هناك حتى يخرجن خراطيمهن من الماء لأمنها في ذلك اليوم. فإذا مضى يوم السبت تفرّقن ولم يخرجن ولزمن لجّة البحر ، فذلك قوله تعالى : (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ)(١) فعمد رجال فحفروا حفيرة عشيّة الجمعة حيث يدخل السمك وساقوا إليها الماء من البحر ، فأقبل الموج بالحيتان فحبسوا السّمك فيها يوم السبت ، وأخذوا منها ليلة الأحد ويوم الأحد ، وقالوا : نحن لا نصطاد يوم السبت.
وكان في القرية نحوا من سبعين ألفا ؛ فصنف منهم أمسك عن الاصطياد ونهى ؛ وصنف أمسك ولم ينه ؛ وصنف منهم انتهوا ؛ وصنف منهم انتهكوا الحرمة. وكان الذين نهوا اثني عشر ألفا ؛ فلما أبى المجرمون قبول نصحهم قال النّاهون : والله لا ساكنّاكم في قرية واحدة ، فقسّموا القرية بجدار ولعنهم داود عليهالسلام وغضب الله لإصرارهم على المعصية ، فخرج النّاهون ذات يوم من بابهم ، والمجرمون لم يفتحوا بابهم ولا خرج منهم أحد ؛ فلما أبطأوا تسوّروا عليهم الحائط فإذا هم جميعا قردة. فمكثوا ثلاثة أيام ثم هلكوا. ولم يمكث ممسوخ مسخ فوق ثلاثة أيام ، ولم يتوالدوا ، فذلك قوله تعالى : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٦٥) ؛ أي صاغرين مطرودين بلغة كنانة ، قاله مجاهد وقتادة والربيع.
وقال أبو روق : يعني (خرسا لا يتكلّمون) ، دليله قوله تعالى : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ)(٢). وقيل : مبعدون من كلّ خير ، روي عن ابن مسعود : (أنّهم لم يلدوا بعدما مسخوا) قال : (ولذلك الممسوخ لا يكون له نسل). وقيل : إنّهم كانوا رجالا ونساء فمسخهم الله تعالى الذكر ذكر والأنثى أنثى ؛ وكانوا يتعاوون ، وكان تسيل
__________________
(١) الأعراف / ١٦٣.
(٢) المؤمنون / ١٠٨.