لكلّ إنسان منهم صاع كلّ ليلة ؛ فإن أخذ أكثر من ذلك دوّد وفسد. ويوم الجمعة يأخذ صاعين كأنّه كان لم يأتهم يوم السّبت).
وقيل : هو شيء حلو ؛ كان يسقط على الشجر كالشهد المعجون بالسّمن ، وكان يأخذ كل واحد منهم كل غداة صاعا يكفيه يومه وليلته ، فإن أخذ أكثر من ذلك فسد عليه (١).
فقالوا : يا موسى! قتلنا هذا المنّ بحلاوته ، فادعوا لنا ربك يطعمنا لحما ، فدعا فأنزل عليهم السّلوى : وهو طائر يشبه السّمانيّ ؛ كذا قال ابن عباس. وأكثر المفسرين بعث الله سحابة مطرت السمانيّ في عرض ميل وقدر طول رمح في السماء بعضهم على بعض. وقال المؤرّج (٢) : (السّلوى هو العسل بلغة كنانة ؛ فيأخذ كلّ واحد منهم ما يكفيه يوما وليلة ، ويوم الجمعة يأخذ ما يكفيه يومين).
قوله تعالى : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ؛) أي وقلنا لهم : كلوا من حلائل ما رزقناكم ولا تدّخروا لغد ؛ فادّخروا لغد ، فقطع الله عنهم ذلك ، ودوّد وفسد ما ادّخروا. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطّعام ، ولم يخنز اللّحم ، ولو لا حوّاء لم تخن أنثى زوجها](٣).
قوله تعالى : (وَما ظَلَمُونا ؛) أي ما ضرّونا بالمعصية ، (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٥٧) ؛ أي يضرّون باستيجابهم عذابي وقطع مادة الرزق الذي
__________________
(١) عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [الكمأة من المنّ ، وماؤها شفاء للعين].
رواه البخاري في الصحيح : كتاب التفسير : الحديث (٤٤٧٨) ، وفي كتاب الطب : الحديث (٥٧٠٨).
(٢) المؤرّج : هو مؤرّج بن عمرو السّدوسي ، ويكنى أبا فيد ، كان من أصحاب الخليل بن أحمد ، مات سنة خمس وتسعين ومائة ، وهو من علماء اللغة والتفسير ، من كتبه : جماهير القبائل ، وغريب القرآن ، والأمثال ، وله شعر جيد.
(٣) رواه مسلم في الصحيح : كتاب الرضاع : باب لو لا حواء : الحديث (٦٤ / ١٤٦٧ و ٦٥ / ١٤٦٨) من طريق أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه البخاري مختصرا في الصحيح : كتاب أحاديث الأنبياء : الحديث (٣٣٣٠ و ٣٣٩٩). والإمام أحمد في المسند : ج ٢ ص ٣٠٤.