وسئل أبو الحسن علي بن عبد الرحيم : من أشكر الشاكرين؟ فقال : الطاهر من الذنوب يعدّ نفسه من المذنبين ؛ والمجتهد بعد أداء الفرائض يعدّ نفسه من المقصّرين ؛ والراضي من الدنيا بالقليل يعدّ نفسه من الراغبين ؛ والقاطع بذكر الله دهره يعدّ نفسه من الغافلين ؛ هذا أشكر الشاكرين.
وقوله عزوجل : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (٥٣) قال مجاهد والفرّاء : (هما شيء واحد يعني التّوراة ؛ وما يفرّق به بين الحقّ والباطل). وقد سمّى الله تعالى التوراة فرقانا في موضع آخر وهو قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً)(١) ، وسمّى الله النّصرة يوم بدر على الكفار فرقانا كما قال : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ)(٢) أراد به يوم بدر ؛ وإنّما عطف الشيء على نفسه وكرّره ؛ لأن العرب تكرّر الشيء إذا اختلف ألفاظه ، قال عنترة (٣) :
حيّيت من ظلل تقادم عهده |
|
أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم |
وقال الكسائيّ : الفرقان : بعث الكتاب ؛ يريد : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ). والفرقان : فرق بين الحلال والحرام ؛ والكفر والإيمان ؛ والوعد والوعيد ، فزيدت الواو فيه كما تزاد في النعوت ؛ من قولهم : فلان حسن وطويل. ودليل هذا التأويل : (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ)(٤). وقال قطرب : (أراد بالفرقان : القرآن).
وفي الآية إضمار معناه : وإذا آتينا موسى الكتاب ومحمّدا الفرقان. قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي بهذين الكتابين ، وقال بعضهم : أراد بالفرقان انفراق البحر وهو من عظيم الآيات ، يدلّ عليه قوله تعالى : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ).
__________________
(١) الأنبياء / ٤٨.
(٢) الأنفال / ٤١.
(٣) عنترة بن شدّاد العبسيّ : أشهر فرسان العرب في الجاهلية ، ومن شعراء الطبقة الأولى من أهل نجد ، أمه حبشية ، وكان من أحسن العرب شيمة ، ومن أعزهم نفسا ، يوصف بالحلم على شدة بطشه ، وفي شعره رقة وعذوبة ، قتل سنة (٢٢) قبل الهجرة.
(٤) الأنعام / ١٥٤.