قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ ؛) يعني الذين عبدوا العجل : (يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ ؛) أي أضررتم أنفسكم ، (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ ؛) إلها. فقالوا : فإيش نصنع ؛ وما الحيلة؟ فقال : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ ؛) أي فارجعوا إلى خالقكم. وكان أبو عمرو يختلس الهمزة إلى الجزم في قوله : (باريكم ، ويأمركم ، ويشعركم ، وينصركم) طلبا للخفّة.
وقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ؛ أي يقتل البريء المجرم ، قوله تعالى : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) ؛ يعني القتل. قال ابن عباس : (أبى الله عزوجل أن يقبل توبة بني إسرائيل إلّا بالحال الّذي كرهوا أن يقاتلوهم حين عبدوا العجل). وقال قتادة : (جعل الله توبتهم القتل ؛ لأنّهم ارتدّوا. والكفر يبيح الدّم). وقرأ قتادة : (فاقتالوا أنفسكم) من الإقالة ؛ أي استقيلوا العثرة بالتوبة. فلما أمرهم موسى بالقتل قالوا : نصبر لأمر الله تعالى ، فجلسوا بالأفنية محسّبين وأصلب عليهم القوم الخناجر ؛ فكان الرجل يرى ابنه وأخاه وأباه وقريبه وصديقه فلا يمكنهم إلا المضيّ لأمر الله.
وقيل لهم : من حلّ جيوبه أو مدّ طرفه إلى قاتله أو اتّقى بيده أو رجله فهو ملعون مردودة توبته ؛ فكانوا يقتلونهم إلى المساء. فلما كثر فيهم القتل عاد موسى وهارون وبكيا وتضرّعا وقالا : يا رب هلكت بنو إسرائيل البقية البقية ؛ فأمرهم الله تعالى أن يرفعوا السلاح عنهم ويكفّوا عن القتل وقد قتل منهم ألوف كثيرة فاشتدّ ذلك على موسى ، فأوحى الله تعالى إليه أما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول الجنة ؛ فكان من قتل منهم شهيدا ومن بقي منهم كفّر عنه ذنوبه ، وذلك قوله تعالى : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) ؛ أي ففعلتم ما أمركم به فتاب عليكم ؛ أي فتجاوز عنكم ، (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٥٤).
وفي بعض التفاسير : أن موسى عليهالسلام قال لهم بعد ما رجع من الجبل وأعطاه الله التوراة : أنكم ظلمتم أنفسكم بعبادتكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ؛ أي ليقتل الذين لم يعبدوا العجل الذين عبدوا العجل. فقالوا : يا موسى نحن نفعل ذلك ، فأخذ عليهم المواثيق ليصبرنّ على القتل ، فأصبحوا بأفنية البيوت كل بني أب على حدة فأتاهم هارون والاثنا عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل بالسيوف ، فقال لهم