موسى أن ينزّل عليهم التوراة ؛ فقال موسى لقومه : إنّي ذاهب لميقات ربي ؛ فآتيكم بكتاب فيه بيان ما تأتون وما تذرون. وواعدهم ثلاثين ليلة من ذي القعدة وعشرا من ذي الحجة ؛ واستخلف عليهم أخاه هارون. فلما أتى الوعد جاء جبريل عليهالسلام على فرس يقال له فرس الحياة ؛ لا يصيب شيئا إلا حيى به ، فلما رأى السامريّ جبريل عليهالسلام على ذلك الفرس ؛ قال : إنّ لهذا شأنا ؛ وكان رجلا منافقا ، قد أظهر الإسلام فأخذ قبضة من تربة حافر فرس جبريل ، وكان بنو إسرائيل قد استعاروا حليا كثيرة من قوم فرعون حين أرادوا الخروج من مصر بعلّة عرس ؛ فأهلك الله قوم فرعون وبقيت تلك الحليّ في أيدي بني إسرائيل. فلما لم يرجع موسى ، قال السامريّ لبني إسرائيل : إن الأمتعة والحليّ التي استعرتموها من قوم فرعون غنيمة لا تحلّ لكم فاحفروا حفيرة فادفنوها فيها حتى يرجع موسى. ففعلوا ذلك. فلما اجتمعت الحليّ صاغها السامري وكان رجلا صائغا ، وجعل عليها القبضة التي أخذها من أثر حافر فرس جبريل ؛ فأخرج عجلا من ذهب فخار ؛ فذلك قوله تعالى : (عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ)(١) فعبدوه من دون الله.
قال السدي : (كان يخور والسامريّ يقول : هذا إلهكم وإله موسى (فنسيه) أي تركه ها هنا وخرج بطلبه). فلما رأوا العجل وسمعوا قول السامري افتتن بالعجل ثمانية آلاف منهم فعبدوه من دون الله.
وقال بعضهم : معنى الآية : واذكروا إذ أخبر الله موسى أن يؤتيه الألواح فيها التوراة على رأس ثلاثين يوما من ذي القعدة ، وأمره أن يصومها ؛ فوجد من فيه خلوفا ؛ أي تغيّر رائحة ، فاستاك ، فأمره الله أن يصوم عشرة أخرى من أول ذي الحجة ؛ كما قال تعالى في موضع آخر : (وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ)(٢). فقال السامريّ في الأيام العشرة لبني إسرائيل : قد تمّت الثلاثون ولم يرجع موسى وإنكم قد استعرتم من نساء آل فرعون حليّهم حين سار بكم من مصر ؛ فلما لم تردّوا عليهنّ حليّهن لم يردّ الله علينا موسى ، فهاتوا ما معكم من الحليّ حتى نحرقه ؛ فلعلّ الله أن يردّ علينا موسى ،
__________________
(١) الأعراف / ١٤٨.
(٢) الأعراف / ١٤٢.