وهارون على مقدّمتهم ، فخرج فرعون على طلبهم وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف ، وسار بنو إسرائيل حتى وصلوا البحر والماء في غاية الزيادة ، ونظروا فإذا هم بفرعون وقومه وذلك حين أشرقت الشمس. فبقوا متحيّرين ؛ قالوا : يا موسى كيف نصنع ؛ وما الحيلة وفرعون خلفنا والبحر أمامنا؟ فقال موسى : (كلّا ؛ إنّ معي ربي سيهديني). فأوحى الله إليه : (أن اضرب بعصاك البحر) فضربه فلم ينفلق. فأوحى الله إليه : أن كنّه ؛ فضربه بعصاه وقال : انفلق أبا خالد بإذن الله عزوجل. (فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)(١). وظهر فيه اثنا عشر طريقا ؛ لكل سبط طريق ، وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر فصار يبسا ؛ فخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط في طريق ، وعن جانبيه الماء كالجبل الضّخم لا يرى بعضهم بعضا ، فخافوا! وقال كلّ سبط : قد قتل إخواننا ، فأوحى الله إلى جبال الماء : تشبّكي فصار الماء شبكات يرى بعضهم بعضا ويسمع بعضهم كلام بعض ؛ حتى عبروا البحر سالمين. فذلك قوله تعالى : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) أي فلقناه وصيّرنا الماء يمينا وشمالا. وقوله : (فَأَنْجَيْناكُمْ) أي من الغرق ومن آل فرعون.
وقوله : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ ؛) وذلك أنّ فرعون لمّا وصل إلى البحر ورآه منفلقا. قال لقومه : أنظروا إلى البحر انفلق من هيبتي حتى أدرك أعدائي وعبيدي الذين أبقوا فأقتلهم ؛ ادخلوا البحر. فهاب قومه أن يدخلوه ؛ ولم يكن في خيل فرعون أنثى ، فجاء جبريل على فرس أنثى ودنا فتقدّمهم وخاض البحر ، فلما شمّت خيول فرعون ريحها اقتحمت البحر في أثرها حتى خاضوا كلّهم البحر ، وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يحثّهم ويقول لهم : إلحقوا بأصحابكم ، حتى إذا خرج جبريل من البحر وهمّ أوّلهم أن يخرج. أمر الله البحر أن يأخذهم ؛ فالتطم عليهم ؛ فغرقوا جميعا وذلك بمرأى من بني إسرائيل ، فذلك قوله تعالى : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (٥٠) ؛ إلى مصارعهم.
قوله عزوجل : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) ؛ وذلك أن بني إسرائيل لمّا أمنوا عدوّهم ودخلوا مصر لم يكن لهم كتاب ولا شريعة ينتهون إليها ، فوعد الله
__________________
(١) الشعراء / ٦٣.