وقوله عزوجل : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) أي يكلّفونكم ويذيقونكم أشدّ العذاب وأسوأه ؛ وذلك أن فرعون جعل بني إسرائيل خدما وخولا. فصنف يبنون ؛ وصنف يحرثون ويزرعون ؛ وصنف يخدمونه ، ومن لم يكن منهم في عمل من هذه الأعمال فعليه الجزية ، فذلك سوء العذاب. وقيل : إنّهم كلّفوا الأعمال القذرة.
وقيل : تفسيره ما بعده : (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ ؛) وقرأ ابن محيص : يذبحون بالتخفيف. ومن قرأ بالتشديد فعلى التكثير ؛ وذلك أن فرعون رأى في منامه نارا أقبلت من بيت المقدس فأحرقت مصر وأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل. فسأل الكهنة ، فقالوا : يولد في بني إسرائيل غلام ؛ يكون هلاكك على يديه. فأمر فرعون بقتل كلّ غلام يولد في بني إسرائيل ؛ وترك كل أنثى ؛ ففعلوا ذلك. وأسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل ؛ فقال القبط لفرعون : إن الموت وقع في مشيخة بني إسرائيل وأنت تذبح صغارهم فيوشك أن يقع العمل علينا ؛ فأمروا أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة ؛ فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها ؛ فترك. وولد موسى في السنة التي يذبحون فيها.
قوله : (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أي يتركوهنّ أحياء فلا يذبحوهن بل يستخدموهن. وقيل : معناه يستحيون من الحياء الذي هو الرّحم ؛ فإن القوم كانوا ينظرون إلى فروج نساء بني إسرائيل فيعلموا هل هنّ حبّل أم لا!!
قوله : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (٤٩) ؛ يعني في سومهم إياكم سوء العذاب محنة وفتنة عظيمة. وقيل : معناه : وفي إنجاء آبائكم منهم نعمة عظيمة. والبلاء ينصرف على وجهين : النعمة والمحنة. قال الله تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)(١).
وقوله عزوجل : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ ،) وذلك أنه لمّا دنا هلاك فرعون أمر الله موسى أن يسري ببني إسرائيل من مصر ؛ فأمر موسى قومه أن يسرجوا في بيوتهم إلى الصّبح. وألقى الله على القبط الموت ؛ فاشتغلوا بدفنهم ، وخرج موسى في ستمائة ألف وعشرين ألفا سوى الذّرية. وكان موسى على ساقتهم
__________________
(١) الأنبياء / ٣٥.