وقوله تعالى : (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) ؛ أي تتركون أنفسكم فلا تتّبعونه ، وقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) ، يعني التوراة وما فيه ، وتعلمون ما فيها من وجوب اتباعه ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٤٤) ، أنّ ذلكم حجّة عليكم وأنه نبيّ حقّ فتصدقونه وتتبعونه.
قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ؛) أي استعينوا على ما استقبلكم من أنواع البلايا. وقيل : على طلب الآخرة بالصبر على أداء الفرائض ؛ وبالصلاة على تمحيص الذنوب. وقيل : استعينوا بالصّبر والصلاة على ما يذهب منكم من الرئاسة والمأكلة باتّباع محمّد صلىاللهعليهوسلم.
وقال مجاهد : (الصّبر في هذه الآية الصّوم). وقيل : (الواو) هنا بمعنى (على) ؛ تقديره : استعينوا فيما ينوبكم بالصبر على الصلاة ؛ كقوله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها)(١).
وروي أن ابن عباس نعيت إليه بنت له وهو في سفر ؛ فاسترجع ، ثمّ قال : (عورة سترها الله ؛ ومؤنة كفاها الله ؛ وأجر ساقه الله). ثمّ نزل فصلّى ركعتين. ثمّ قال : (صنعنا ما أمرنا الله به : واستعينوا بالصّبر والصّلاة) (٢).
وأصل الصّبر هو الحبس ، يقال : قتل فلان صبرا ؛ إذا حبس حيّا حتى مات ؛ وقيل : الصّبر هو الصوم ؛ ويسمّى شهر رمضان شهر الصّبر ، وسمي الصوم صبرا ؛ لأن صاحبه يحبس نفسه عن الطعام والشراب.
قوله عزوجل : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) (٤٥) ؛ يحتمل أنّ الهاء كناية عن الصلاة ؛ لأنّها أشرف الطاعات ، ويحتمل أن تكون عن الاستعانة ، ويحتمل أن يكون المراد بها الصبر والصلاة جميعا ، كما قال الله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ
__________________
(١) طه / ١٣٢.
(٢) في الدر المنثور : ج ١ ص ١٦٣ ؛ قال السيوطي : «وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس رضي الله عنهما : ونقله». رواه الطبري في التفسير : النص (٧١٢). والبيهقي في شعب الإيمان : باب في الصبر : النص (٩٦٨١ و ٩٦٨٢).