بيانه والباطل كتمانه). وقيل : معناه : لا تكتموا الحقّ بالباطل هو إيمانهم ببعض ما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوسلم وكفرهم ببعضه. (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ) ؛ يعني نعت النبيّ صلىاللهعليهوسلم وصفته. قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤٢) ؛ أي تعلمون أنه نبيّ مرسل ؛ وقوله تعالى : (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ) يحتمل أن يكون تكتموا جزما على النهي. ويحتمل أن يكون نصبا على معنى : وأن تكتموا ؛ أي لا تجمعوا بين اللّبس والكتمان ، فهذا مثل :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله |
|
عار عليك إن فعلت عظيم (١) |
وقوله : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ) أي لا تختلطوا ، يقال : لبست عليه الأمر ؛ أي خلطته.
قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) ؛ أي حافظوا على الصّلوات الخمس لمواقيتها بركوعها وسجودها ، وأدّوا زكاة أموالكم المفروضة. وقوله تعالى : (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (٤٣) ؛ أي صلّوا مع المصلّين محمّد وأصحابه في الجماعات إلى الكعبة ؛ يخاطب اليهود فعبّر بالركوع عن الصلاة ، إذ كان ركنا من أركانها ؛ كما عبّر باليد عن الجسد في قوله : (بِما قَدَّمَتْ يَداكَ)(٢) وبالعنق عن النّفس كقوله تعالى : (أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)(٣). والفائدة في تكرار ذكر الصلاة لئلا يتوهّم متوهّم أن الصلاة لا تجب إلا على من تجب عليه الزكاة ، وقيل : إن اليهود كانوا يصلّون بغير ركوع فأمر بالركوع في الصلاة.
قوله عزوجل : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) ؛ خطاب لعلماء اليهود ، كانوا يخبرون مشركي العرب قبل بعث النبي صلىاللهعليهوسلم : بأنّ رسولا سيظهر يدعو إلى الحق فاتبعوه وأجيبوا دعوته. فلما بعث النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ حسدوه وكفروا به ؛ فأنزل الله هذه الآية مذكّرا لهم ما كان منهم.
__________________
(١) نقل القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١ ص ٣٦٧ قال : «وقال أبو الأسود الدؤليّ :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله |
|
عار عليك إذا فعلت عظيم |
وابدأ بنفسك فانهها عن غيّها |
|
فإن انتهت عنه فأنت حكيم |
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى |
|
بالقول منك وينفع التّعليم)) |
(٢) الحج / ١٠.
(٣) الإسراء / ١٣.