يُرْضُوهُ)(١) فاكتفى بذكر أحدهما دلالة على الآخر. ونظير القول الأول قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها)(٢) ردّ الكناية إلى الفضة لأنّها أغلب وأعم. وقال تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها)(٣) ردّ الكناية إلى التجارة لأنّها الأهم والأفضل. وقال الأخفش : (ردّ الكناية إلى كلّ واحدة منهما ؛ أراد كلّ خصلة منهما الكبيرة كقوله تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها)(٤) يعني كلّ واحدة منهما ، وقال تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً)(٥) ولم يقل آيتين ؛ أراد جعلنا كلّ واحد منهما آية).
قوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) أي ثقيلة شديدة إلا على الخاشعين ؛ أي المؤمنين. وقيل : إلا العابدين المطيعين. وقيل : الخائفين. وقيل : المتواضعين. وقال الزجّاج : (الخاشع الّذي يرى أثر الذّلّ والخشوع عليه ؛ ويقال : خشع ؛ إذا رمى ببصره إلى الأرض ، وأخشع إذا طأطأ رأسه للسّجود). والخشوع والخضوع نظيران ؛ إلا أن الخضوع يكون بالبدن والخشوع بالبصر والصوت والقلب كما قال تعالى : (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ)(٦)(وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ)(٧)(أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ)(٨).
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ؛) أي الذين يعلمون ويستيقنون ؛ لأنّهم لو كانوا شاكّين لكانوا كافرين. ومثله : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ)(٩) أي أيقنت. قوله تعالى : (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٤٦) ؛ فيجزيهم بأعمالهم.
__________________
(١) التوبة / ٦٢.
(٢) التوبة / ٣٤.
(٣) الجمعة / ١١.
(٤) الكهف / ٣٣.
(٥) المؤمنون / ٥٠.
(٦) القلم / ٤٣.
(٧) طه / ١٠٨.
(٨) الحديد / ١٦.
(٩) الحاقة / ٢٠.