واستناروا بنورها واعتزّوا بعزّها ، فناكحوا المسلمين ووارثوهم وقاسموهم الغنائم وأمنوا على أموالهم وأولادهم ؛ فإذا ماتوا عادوا في الظّلمة والخوف وبقوا في العذاب والنّقمة).
وقوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) ؛ أي هم صمّ عن الهدي لا يسمعون الحقّ ، بكم لا يتكلمون بخير ؛ عمي لا يبصرون الهدي ؛ أي بقلوبهم كما قال الله تعالى : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)(١). وقيل : معناه صمّ يتصامّون عن الحقّ ؛ بكم يتباكمون عن قول الحقّ ؛ عمي يتعامون عن النّظر إلى الحقّ ؛ يعني الاعتبار. وقرأ عبد الله : (صمّا بكما عميا) بالنصب على معنى وتركهم كذلك. وقيل : على الذّمّ ، وقيل : على الحال. وقوله تعالى : (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (١٨) ؛ أي من الضّلالة والكفر إلى الهدى والإيمان.
قوله عزوجل : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) ؛ هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لهم أيضا ؛ معطوف على المثل الأول ؛ أي مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ومثلهم أيضا كصيّب. قال أهل المعاني : (أو) بمعنى الواو ؛ يريد (وكَصَيِّبٍ) كقوله : (أَوْ يَزِيدُونَ)(٢) وأنشد الفرّاء (٣) :
وقد علمت سلمى بأنّي فاجر |
|
لنفسي تقاها أو عليها فجورها |
أي : وعليها فجورها.
ومعنى الآية : مثل المنافقين مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم والقرآن (كصيّب) أي كمطر نزل (مِنَ السَّماءِ) ليلا على قوم في مفازة (فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) كذلك القرآن نزل من الله ، (فِيهِ ظُلُماتٌ) أي بيان الفتن وابتلاء المؤمنين بالشّدائد في الدّنيا ، (وَرَعْدٌ) أي زجر وتخويف ، (وَبَرْقٌ) أي تبيان وتبصرة. فجعل أصحاب المطر أصابعهم في آذانهم من الصّواعق مخافة الهلاك ، كذلك المنافقون كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم من بيان
__________________
(١) الأعراف / ١٩٨.
(٢) الصافات / ١٤٧.
(٣) في لسان العرب لابن منظور : «وقد زعمت ليلى ...» والبيت لتوبة بن الحميّر ، ونقله الطبري في التفسير.