يخاف السّباع على نفسه ، فيوقد نارا ليأمن بها السباع ، (فَلَمَّا أَضاءَتْ ،) النار ، (ما حَوْلَهُ) المستوقد ؛ طفئت. فبقي في الظلمة ؛ كذلك المنافق يخاف على نفسه من قبل النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه فيسلم دماء الناس فيحقن دمه ، ويناكح المسلمين فيكون له نور بمنزلة نور نار المستوقد ؛ فإذا بلغ آخرته لم يكن لإيمانه أصل في قلبه ، ولا حقيقة في عمله ، سلب نور الإيمان عند الموت فيبقى في ظلمة الكفر ، نستعيذ بالله. وقوله تعالى : (اسْتَوْقَدَ) يعني أوقد ، قال الشاعر (١) :
وداع دعايا من يجيب إلى الندى |
|
فلم يستجبه عند ذاك مجيب |
وقوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي) بمعنى (الذين) دليله سياق الآية ؛ ونظيره قوله تعالى : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(٢). فإن قلت : كيف يجوز تشبيه الجماعة بالواحد؟ قلت : لأن (الّذي) اسم ناقص ، فيتناول الواحد والاثنين ك (من) و (ما) ، وفي الآية ما يدلّ على أن معناه الجمع ، وهو قوله تعالى : (وَتَرَكَهُمْ). وقد يجوز تشبيه فعل الجماعة بفعل الواحد مثل قوله تعالى : (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ)(٣). وقوله تعالى : (أَضاءَتْ) يقال : ضاء القمر يضوء ضوءا ، وأضاء يضيء إضاءة ؛ وإضاءة غيره يكون لازما ومتعدّيا. وقرأ محمّد بن السّميقع : (ضاءت) بغير ألف ؛ و (حوله) نصب على الظرف.
قوله تعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) ؛ أي أذهب الله نورهم. وإنّما قال : (بِنُورِهِمْ) والمذكور في أوّل الآية النار ؛ لأنّ النار فيها شيئان : النّور والحرارة ؛ فذهب نورهم ؛ وبقي الحرارة عليهم ، (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (١٧).
وفي بعض التفاسير : قال ابن عبّاس ؛ وقتادة ؛ والضحّاك : (معنى الآية : مثلهم في الكفر ونفاقهم كمن أوقد نارا في ليلة مظلمة في مفازة فاستضاء به ، واستدفأ ورأى ما حوله ، فاتّقى ما يحذر ونجا ممّا يخاف وأمن ؛ فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره ؛ فبقي مظلما خائفا متحيّرا ؛ فكذلك المنافقون إذا أظهروا كلمة الإيمان
__________________
(١) هو كعب بن سعد الغنويّ ، يرثي أخاه أبا المغوار ، والبيت أورده الأخفش في معاني القرآن : ج ١ ص ٤٩ و ٢٠٨ : الشاهد (٢٧) ؛ وقال : «أي فلم يجبه».
(٢) الزمر : ٣٣.
(٣) الأحزاب : ١٩.