قوله عزوجل : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٦) ؛ أي أرشدنا الطريق القائم الذي ترضاه ؛ وهو الإسلام (١). وهذا دعاء ؛ ومثله بلفظ الأمر ؛ لأن الأمر لمن دونك ؛ والمسألة لمن فوقك.
فإن قيل : ما معنى قولكم : إهدنا! وأنتم مهتدون؟ قيل : هذا سؤال في مستقبل الزّمان عند دعوة الشّيطان. وقيل : معناه : ثبتنا على الطّريق المستقيم ؛ لا تقلّب قلوبنا بمعصيتنا. ونظير قوله تعالى في قصّة إبراهيم عليهالسلام : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)(٢) أي أثبت على الإسلام (٣).
وفي (الصِّراطَ) أربع لغات : صراط بالصّاد ؛ وسراط بالسّين ، وبالزاي الخالصة ، وبإشمام الصّاد والزّاي ، وكلّ ذلك قد قرئ به ؛ فبالسّين قراءة قنبل (٤) ، وبإشمام الزّاي قراءة خلف (٥) ؛ وقرأ الباقون بالصاد الصّافية (٦).
__________________
(١) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ؛ قال : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال : «الإسلام وهو أوسع ما بين السماء والأرض». رواه الطبري في جامع البيان : النص (١٤٩) وما بعده.
وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين : كتاب التفسير : سورة الفاتحة : النص (٣٠٢٤ / ١٥٣) ، وقال : «هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه» ، وقال الذهبي في التلخيص : «صحيح». قال الحاكم في المستدرك : «ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند».
(٢) البقرة : ١٣١.
(٣) أسند الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن ابن مسعود رضي الله عنه وأناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أن الصراط المستقيم قالوا : «هو الإسلام». وأسند عن ابن الحنفية قال : «هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره». ينظر : جامع البيان : النص (١٥١ و ١٥٣ و ١٥٢).
(٤) هو محمّد بن عبد الرحمن بن محمّد بن درجة المكي المخزومي ، ويكنى أبا عمرو ؛ ويلقب قنبلا ، يقال : هم أهل بيت بمكة يعرفون بالقنابلة ، توفي سنة إحدى وتسعين ومائتين وله ستة وتسعون سنة ، وكان قد قطع الإقراء قبل أن يموت بعشر سنين. ترجم له الإمام أبي جعفر الأنصاري في الإقناع في القراءات السبع : ص ٤٢.
(٥) خلف هو أبو محمّد خلف بن هشام بن طالب البزار الصّلحيّ من أهل (فم الصّلح) قرب واسط. إمام في القراءة ، ثبت عند أهل الحديث ، ولد سنة خمسين ومائة واشتهر في بغداد ، وتوفي سنة تسع وعشرين ومائتين في خلافة الواثق بالله. ترجم له الأنصاري في الإقناع : ص ٧٦ ـ ٧٧.
(٦) قال القرطبي : «وقرئ (السراط) بالسين من الاستراطة بمعنى الابتلاع ، كأن الطريق يسترط