الهداية والجبر الإلهي :
وقد ادعى بعض المفسرين : أن قوله تعالى : (" اهْدِنَا الصِّراطَ) الخ .." يدل على صحة قول الأشاعرة : إنه تعالى هو فاعل الخير والشر. أما العبد فلا يوجد فعله ولا يخلقه. ولذا نسبت الهداية هنا لله تعالى ؛ فهو الذي يفعل ويوجد.
ولكنه نسب الضلال للعبد في قوله : " ولا الضالين" ، مع أن الله سبحانه هو الذي يضلهم ـ تأدبا معه تعالى ..
إذن فقوله تعالى : " اهدنا" يمثل ردا على المعتزلة والرافضة.
ونقول :
إن هذا التأدب ـ لو صح ـ فهو دليل على قبح صدور ذلك منه تعالى. وإذا لم يجز نسبة القبح إليه تعالى لفظا ، فما بالك بنسبته إليه وصدورها منه خارجا؟!
إن المراد من ـ اهدنا ـ ليس هو إيجاد الهداية بطريق جبري وقسري وتكويني ، بل المراد : هو المساعدة في الهداية ، فإذا قلت لإنسان : ساعدنا على هذا الأمر ، فإنك أنت الذي تبذل الجهد ، وتعمل ، وتؤثر فيه بصورة مباشرة ثم يساعدك الآخرون.
وإذا كانت الهداية بمعنى الدلالة ، والتوفيق والتسديد ، فالأمر يصير أوضح ؛ فإنك إذا قلت لرجل : اهدني ودلني ، فإن دلالته لك لا تعني أنه قد خلق المعرفة فيك وأجبرك عليها. بل هو يدلك ، وأنت تختار أن تعمل بهذه الدلالة ، أو لا تعمل.