العلمانيون لصحابة الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» أوقعهم في شرّ أخطائهم ، ومغالطاتهم. وهؤلاء الذين قال فيهم حبيبنا المصطفى «صلىاللهعليهوآلهوسلم» : «دعوا لي أصحابي ، فو الذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ، ولا نصفه». والذي قال فيهم أيضا : «أصحابي كالنجوم ، بأيهم اقتديتم اهتديتم». وهؤلاء الصحابة النجوم منهم الفريد الفذ بحكمه ، والفريد الفذ بقضائه ، والفريد الفذ بجهاده ، والفريد الفذ بعلمه ، والفريد الفذ بأخلاقه ، والفريد الفذ بحسن سياسته. هؤلاء الصحابة النجوم الذين بأيهم اقتدينا ، اهتدينا.
ولنا القول في هذا المقام : إنّ التكرار للشخصية العمرية في مثالية الحكم الإسلامي ـ والعلمانيون يعلمون ذلك ـ يفند زعمهم بعدم تكرارها. والأمثلة الحية للعديد من الحكام المسلمين في عدالتهم ـ والعلمانيون يفتكرون ذلك ـ تؤكد فحش افترائهم ، وطيلة عهود الدولة الإسلامية ، يملئون الأرض بمعالم عدالتهم ، وحسن تفكيرهم ، وصفاء مثاليتهم ؛ بدءا من عصر الخلفاء الراشدين ، ومرورا بالعصر الأموي ، والعباسي ، والطولوني ، والإخشيدي ، والفاطمي ، والأيوبي ، والمملوكي ، والعثماني ، والأندلسي. فالواقع التاريخي ـ والعلمانيون يستندون إليه تجاهلا لحقيقته ـ يكذّب أخطاءهم. وأمثلته العديدة شاهد عيان يملأ الآفاق على عدالة ومثالية حكام المسلمين. ومنهم : خامس الخلفاء الراشدين «عمر بن عبد العزيز» ، الذي مكن دين الله في أرضه ، وملأ الأجواء في عدله ، وغمر الأصقاع بحسن سيرته ، وسلوكه.
وقد روى البيهقي عنه في الدلائل عن عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال : «إنما ولي عمر بن عبد العزيز ثلاثين شهرا. لا والله ، حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم ، فيقول : اجعلوا هذا حيث تروه في الفقراء فما يبرح حتى يرجع بماله ، يتذاكر من يضعه فيه ، فلا يجده ، فأغنى الناس عمر». هذا الخليفة العادل ، والذي قال واليه على صدقات إفريقيا يحيى بن سعيد : كنت أجمع الصدقات ولا أجد أحدا من أصحابها ، فكنت أشتري به الرقاب ، وأعتقها.